عادي
من ينتزع تاج الصناعة العالمي؟

كوريا الجنوبية تدخل سباق أشباه الموصّلات بـ 452 مليار دولار

21:39 مساء
قراءة 4 دقائق

إعداد: هشام مدخنة
في أحدث تطور من نوعه على مستوى العالم، أعلنت كوريا الجنوبية مؤخراً عن استثمار ضخم في صناعة أشباه الموصّلات. وقالت الحكومة الكورية إنه سيتم ضخ 510 تريليونات وون كوري جنوبي (452 مليار دولار) في صناعة الرقائق بحلول عام 2030، على أن يأتي الجزء الأكبر من ذلك من الشركات الخاصة في البلاد.

لقد بات اليوم شريان حياة الاقتصاد معلّقاً بقطع صغيرة من السيليكون مع دوائر معقدة فوقها، إنها أشباه الموصلات الذكية التي تجعل عالمنا المتصل بالإنترنت يدور بفاعلية أكثر.

فبالإضافة إلى أجهزة «آيفون»، و«بلاي ستيشن»، والسيارات العصرية، تدعم صناعة الرقائق البنية التحتية الوطنية الرئيسية للدول. لكن في الآونة الأخيرة لم يكن هناك ما يكفي منها لتلبية الطلب.

أسباب النقص المستمر في الرقائق عالمياً، الذي من المحتمل أن يستمر حتى عام 2022 وربما 2023، معقدة ومتعددة الأوجه. ومع ذلك، تخطط الدول لضخ مليارات الدولارات في صناعة أشباه الموصلات خلال السنوات المقبلة كجزء من جهدها المتواصل لضمان سلاسل التوريد وزيادة الاكتفاء الذاتي، مع توجيه الأموال نحو مصانع الرقائق الجديدة، فضلاً عن البحث والتطوير.

إعفاءات ضريبية

واعتبر أبيشور براكاش، المتخصص الجيوسياسي في مركز ابتكار المستقبل في تورونتو، أن خطوة كوريا الجنوبية هذه شبيهة بالجهد الذي بذلته أثناء الحرب لبناء أمنها واستقلالها في المستقبل. وأضاف براكاش: «من خلال بناء قدرات رقاقات هائلة، ستتمكن كوريا الجنوبية من تحديد مسارها الخاص، بدلاً من إجبارها على السير في اتجاه معين. وهذا من شأنه أن يفك ارتباطها بالصين أو تايوان والدول الأخرى من حيث احتياجاتها التكنولوجية المهمة عبر استثمار مئات المليارات من الدولارات». ومن خلال ما يسمى باستراتيجية «كيه سيميكوندوكتور» (K-Semiconductor)، قالت حكومة كوريا الجنوبية إنها ستدعم الصناعة عبر تقديم إعفاءات ضريبية، وتمويلات نقدية، وبنية تحتية متطورة.

قفزة جديدة

وفي خطابه قبل أيام أكد رئيس كوريا الجنوبية مون جيه إن أنه في خضم التحول الكبير للاقتصاد العالمي، أصبحت أشباه الموصلات نوعاً من البنية التحتية الرئيسية في جميع المجالات الصناعية. مضيفاً: «مع الحفاظ بقوة على مكانة صناعة أشباه الموصلات لدينا كأفضل صناعة في العالم، سنحمي مصالحنا الوطنية من خلال استخدام طفرة الرقائق الحالية كفرصة لتحقيق قفزة جديدة إلى الأمام».

بالمقابل فإن كوريا الجنوبية ليست رائدة على جميع الجبهات. وهو أمرٌ وصفه جلين أودونيل، نائب رئيس ومدير الأبحاث في شركة التحليلات «فوريستر» بالقول: «من حيث القدرة التصنيعية المطلقة، تحتل تايوان المرتبة الأولى وكوريا الجنوبية المرتبة الثانية، والولايات المتحدة المركز الثالث، والصين تتقدم مسرعة أيضاً».

وأضاف أودنيل.. إن كوريا الجنوبية رائدةٌ في رقائق الذاكرة بحصة 65%، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير لشركة «سامسونج إلكترونيكس». وبأن آسيا ككل تهيمن على التصنيع، حيث تم إنتاج 79% من جميع رقائق العالم في القارة في عام 2019.

واعتبر أودونيل أنه من الصعب الآن تحديد ما إذا كان هذا الاستثمار سيساعد كوريا الجنوبية على انتزاع تاج صناعة الرقائق العالمية بالطريقة التي تريدها. مؤكداً أنه استثمار هائل، ولكن الولايات المتحدة، وشركة «تايوان لصناعة أشباه الموصلات»، والصينيين يستثمرون بكثافة أيضاً.

تقود استثمارات كوريا الجنوبية اثنتان من أكبر شركات الرقائق هما سامسونج إلكترونيكس، وإس كيه هاينكس، وتخطط سامسونج لاستثمار 171 تريليون وون كوري جنوبي (أكثر من 150 مليار دولار) في صناعة الرقائق غير المتعلقة بالذاكرة خلال الأعوام العشرة المقبلة، وبزيادة عن هدفها الاستثماري السابق البالغ 133 تريليون وون، الذي تم الإعلان عنه في عام 2019.

أولمبياد التكنولوجيا

وأشار أودونيل من فوريستر إلى أنه في المعركة المستمرة للسيطرة على مجال التكنولوجيا، تتنافس جميع الدول للحصول على هذا التصنيف المهم للغاية كمورد رئيسي للعالم. وكوريا الجنوبية وتايوان واليابان والصين، إضافة إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي جميعاً تطمع في التتويج بالميدالية الذهبية على منصة أولمبياد التكنولوجيا.

وأضاف: التوترات الجيوسياسية تلعب دوراً أيضاً في الديناميكيات. إذ إن كوريا الجنوبية تعيش دائماً تحت تهديد كوريا الشمالية، وهو أمرٌ من شأنه أن يزعزع استقرار وضعها التكنولوجي. وتواجه تايوان، أكبر مورد حالي لأشباه الموصلات، تهديداً مماثلاً مع احتدام التوترات مع الصين. وتعهدت شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات بإنفاق 100 مليار دولار على مدى 3 سنوات لتنمية طاقتها الإنتاجية، بينما تخطط إنتل الأمريكية لبناء مصنعين جديدين في ولاية أريزونا بقيمة 20 مليار دولار. ووفقاً للتقارير، دخلت الشركتان أيضاً في مناقشات حول مصنع أوروبي جديد.

وفي السياق ذاته، قالت شركة سميك الصينية لصناعة الرقائق إنها تعمل بسرعة لتوسيع طاقتها وتسريع الخطط الموضوعة. وسجلت الشركة العملاقة قفزة بنسبة 22% في مبيعات الربع الأول إلى 1.1 مليار دولار، ورفعت توقعات مبيعاتها للنصف الأول من العام بأكمله. (سي إن بي سي)

مصانع جديدة

تخطط إس كيه هاينكس، مُصنّع أشباه الموصلات لرقائق ذاكرة الوصول العشوائي الديناميكية، وشرائح ذاكرة الفلاش، لإنفاق 230 تريليون وون (نحو 202 مليار دولار) في العقد المقبل. من ضمنها أربعة مصانع جديدة كجزء من جهد أوسع لمضاعفة كمية الرقائق التي تنتجها.

وقال براكاش: يشعر العالم بالصدمة من حجم الاستثمار العام لكوريا الجنوبية، فبنحو نصف تريليون دولار، وضلوع أكثر من 150 شركة، تعمل كوريا الجنوبية بكل طاقتها على تحريك الجبال لتأمين مكان لها في المستقبل.

يأتي تعهد كوريا الجنوبية بعد أن اقترح الرئيس الأمريكي جو بايدن خطة بقيمة 50 مليار دولار لصناعة الرقائق والبحث، وبعد تعهد الرئيس الصيني شي جين بينج بالإنفاق على صناعات التكنولوجيا الفائقة، مع التركيز بشكل كبير على أشباه الموصلات، وأيضاً بعد تأكيد الاتحاد الأوروبي في مارس/آذار نيته تصنيع 20% من أشباه الموصلات في العالم في أوروبا بحلول عام 2030، ارتفاعاً من 10% فقط في عام 2010.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"