لبنان.. خيبات مزمنة

00:33 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

نسف اعتذار رئيس الحكومة اللبنانية المكلف سعد الحريري عن تشكيل حكومة جديدة، جرعة الأمل التي لم تستغرق سوى 24 ساعة، مرت كأنها حلم، بعدما تكثفت المشاورات وتوالت المؤشرات بأن الوضع ينفرج، ولكن المخاض الأليم الذي استمر قرابة تسعة أشهر لم يأت بالحكومة المنتظرة، وبعد نحو عام من تفجير مرفأ بيروت الرهيب، أصبح لبنان على مشارف انفجار شامل بسبب تراكم أزماته وخلافات نخبه السياسية، في وقت شهد فيه اللبنانيون ألواناً من ضنك العيش والتدهور الاقتصادي والانهيار المالي والفساد، لم يعرفوها في أتون الحرب الأهلية في القرن الماضي.

الفراغ الطويل مستمر، ولم يفلح الضغط العربي والدولي الذي وصل إلى درجة التلويح بمعاقبة الأطراف المعرقلة، في إحداث المعجزة التي وعدت بها المبادرة الفرنسية. 

وبعد الإخفاق الصادم في تشكيل حكومة جديدة، ينفتح المجال لاستمرار التناحر بين الأقطاب الحزبية والحسابات الفئوية، ليستمر تضييع الوقت، وكأن القوم لا يعون ما يعانيه الشعب اللبناني من ظروف قاسية وانسداد للآفاق، وسط جائحة صحية عالمية وتراجع غير مسبوق للعملة الوطنية (الليرة)، التي أصبح حالها مضرباً للفشل السياسي واليأس الاجتماعي، يضاف إلى ذلك الشرخ الذي يتسع من خيبة إلى أخرى بين الشعب والنخبة.

لم يتم إعلان الحكومة الجديدة برئاسة الحريري ولم يأت الفرج، وسيستمر الفرقاء في التراشق ولمز بعضهم بعضاً في البيانات الرسمية ووسائل الإعلام ومنصات التواصل. وهذا المنطق يعني أن أزمات لبنان المزمنة ستتفاقم، ولن تتبلور الوحدة الوطنية فعلاً ومواقف، ولن تبدأ الحرب الجدية على الفساد، ولن يتقدم مسار العدالة في قضية ضحايا انفجار مرفأ بيروت، ولن يحاسب المسؤولون عن تسميم الأجواء السياسية، وهذه القضايا ستكون مدخلاً لمصادرة سيادة لبنان وستعرضه وشعبه لمزيد من الضغوط والتدخلات الخارجية التي كانت واضحة في الرسائل والمواقف المعلنة من واشنطن وباريس على الخصوص.

الساعات التي سبقت فشل إعلان الحكومة الجديدة شهدت تطورات ملأى بالإيحاءات والدلالات المتناقضة، فقد تلقى الرئيس ميشال عون رسالة مشتركة من وزيري الخارجية الأمريكي والفرنسي أكدا فيها ضرورة تشكيل حكومة جديدة لمواجهة الظروف الصعبة. وقبل ذلك، قام الحريري بزيارة خاطفة إلى القاهرة التقى خلالها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ليطير بعدها إلى قصر بعبدا في بيروت ويعلن تقديم حكومة من 24 اختصاصياً. وفي لمح البصر غاب خيار الاعتذار، وتبدلت نبرة الخطاب السياسي إلى تفاؤل مؤقت، لكن ما حدث لاحقاً كان مفاجأة مرة وخيبة لا توصف.

الشعب اللبناني المحبط والمجوّع يتوق منذ عقود للتحرر من نظام مقيد بالمحاصصة الطائفية والمصالح الفردية. وفي ظل تكلس النخب السياسية التي لم تتعظ من الدروس والعبر، لا تلوح في الآفاق مؤشرات لإنهاء هذه المأساة التي جرعت الشعب اللبناني الظلم والقهر، ودمرت ما فيه من طاقات للإبداع والعمل، حتى فقد الثقة بكل شيء بما في ذلك قادته الذين خذلوه واستضعفوه ولم يراعوا حقوقه وكرامته واستقلاله.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"