العراق وحرائق الفساد

00:14 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

بعد كارثة الحريق الذي التهم مستشفى ابن الخطيب في بغداد، وأودى بحياة 82 مريضاً يوم 24 نيسان/إبريل الماضي، قال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي «الحادث هو مسّ بالأمن القومي، وهو نكسة بكل ما للكلمة من معنى، ويجب أن لا تمر مثل هذه الأحداث مرور الكرام، إنه دليل على وجود تقصير، لهذا وجهت بفتح تحقيق فوري لمحاسبة المقصرين».

 وتكررت الكارثة مساء الاثنين الماضي في مستشفى الحسين بمدينة الناصرية، بحريق مماثل آخر أودى بحياة 92 شخصاً، وتكررت المواقف والتصريحات من دون أن يتغير أي شيء.

 ففي كل مرة تتخذ نفس الإجراءات بإقالة وزير أو مسؤول، وتجرى تحقيقات، ولا تتوقف حرائق المستشفيات التي يقال إن سببها اشتعال النار في أسطوانات الأكسجين داخل المستشفى.

 إذاً، ومع عدم وصول التحقيقات إلى أي نتيجة، فإن المسؤول عن الحرائق هو أسطوانات الأكسجين.. فلماذا أسطوانات الأكسجين؟ لأنها الشماعة التي تخفي الحقيقة المسكوت عنها ولا يتجرأ أحد على مواجهتها، وهي الفساد المستشري من أعلى الهرم حتى القاعدة. 

 أجل، إنه الفساد، آفة العراق، بل آفة العصر الذي ينهش جسد العراق. ففي مؤشر الفساد العالمي للعام 2020 احتل العراق المركز المئة والستين، ليكون من أكثر الدول فساداً في العالم. وتقول منظمة الشفافية الدولية، إن الفساد المستشري في النظام العراقي «يحرم الناس من حقوقهم الأساسية، وسط اتهامات بنهب المال العام، بأكثر من 250 مليار دولار منذ العام 2003، وفي ظل غياب مساءلة عامة».

 في مثل هكذا وضع سوف يبدو من الغريب ألا تقع فواجع وكوارث، وحرائق في مستشفيات، أو انقطاع للكهرباء، أو انعدام للخدمات العامة، وانهيار للمنظومة الصحية والتعليمية، وتهرّب من دفع الضرائب، واعتداء على المؤسسات العامة، وتسلط على المرافق المالية من قبل أحزاب سياسية وميليشيات.

 تؤكد المعلومات أن الفساد يقف وراء كوارث الحرائق، لأن هناك شبهات تشير إلى فساد حكومي في منح العقود لبناء المستشفيات وتجهيزها بأنظمة مكافحة الحريق، إلى جانب إهمال القطاع الإداري وحالة التسيب في أروقة معظم المستشفيات، حيث تلعب المحسوبيات دورها في هذا التسيب. وهناك مشكلة جوهرية في المستشفيات الميدانية التي أعدت لاستقبال وعزل المصابين بفيروس كورونا، كونها بنيت من غرف متنقلة صنعت من مواد سريعة الاشتعال، وغير مزودة بأي أجهزة للسلامة، ولم تتم فيها مراعاة سلامة المرضى، لأن عقود بنائها لم تلحظ هذه الإجراءات الضرورية.

 المفجع، أن الخطاب الرسمي العراقي تجاه هذه الكوارث يتكرر، والمفجع أكثر أن رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، وهو لا شك صادق ونظيف اليد، يبدو مكبلاً بأغلال سياسية وحزبية وطائفية لا يستطيع الفكاك منها، تمنعه من الوقوف بحسم وقوة في مواجهة الفساد والفاسدين واجتثاثهم، تحقيقاً لوعده.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"