لعبة تحميل الكتب

00:01 صباحا
قراءة دقيقتين

أمضي نحو الساعة شبه يومي على لعبة، أصبحت مع التكرار خاصّة وربما محتكرة لشخص يبحث عن الكتب في المواقع الإلكترونية التي تتيح خدمة التحميل مجاناً، فلا حاجة للذهاب إلى مكتبة كبيرة أو متخصصة في الأدب، ولا حاجة لشراء الكتب بخاصة في ظل ارتفاع أسعارها المطّرد من عام إلى آخر.
ها أنت حمّال كتب، ولا حاجة أيضاً إلى حقائب وكراتين ورزم مشدودة بالحبال. فقط تجوّل بين المواقع، وخذ ما تشاء إذا شاءت أو سمحت لك المواقع، وأغلبها مواقع كريمة. التحميل مجاناً، والقراءة مجانية، وما عليك سوى أن تَحْمِل أو تُحَمِّل «الإلياذة» كاملة هي و«هوميروس»، وتقرأ على مهل أكثر من ترجمة، فما من مترجم محترف إلاّ وجذبته «الإلياذة». البعض ترجمها شعراً منظوماً موزوناً في قوالب الخليل بن أحمد الفراهيدي، فجاءت باردة ثقيلة، والبعض نقلها بكل لحمها وشحمها السردي الملحمي أو التراجيدي، فجاءت حارّة، ومملوءة بالفروسية، والحب، والموت.
احمل، أيضاً إذا شئت «الكوميديا الإلهية»، وهي أيضاً جاءت في أكثر من ترجمة، لكنك الآن أمام ترجمة حنّا عبود: ومنها هذا المقطع: «لا شيء في الفن أو الطبيعة يستطيع أن يقدّم لك متعة كرؤية جسدي الجميل الذي كنت أرتديه، وقد خلعته الآن، في الأرض وإذا كان موتي قد حوّل تلك المتعة تراباً، فأية مسرّة بقيت لك هناك، في الأشياء الأرضية حتى تسعى إليها؟ لدى أوّل صدمة تلقيتها في تلك الأشياء التافهة كان يجب أن تفكّر بأن عليك أن تنهض وتحلّق معي فوق الفساد».
في الماضي، في طفولاتنا الأولى، وفي شبابنا الأول في الأرياف البكرية الوعرة، كنّا أيضاً نُحمّل ونَحْمِل الكتب، ولكن فوق ظهورنا، وأحياناً، كان الفتى القروي يمتطي حماره أو حصانه وهو يقرأ في كتاب، والأرجح أنه كان كتاب المدرسة، وحين تقدم به العمر وأصبح ذلك الفتى رجلاً مخطوط الشارب صار يَحْمِلُ وَيُحَمّل الكتب في الطائرة أو في الباخرة، أو في القطار، ومن أجمل كتب القطار «فاوست» وأنت تقرأ: «تروي الأسطورة أن أخيلوس نهض من العالم السفلي، والتقى بهيلانة في جزيرة لويكا Leucke في البحر الأسود، فَتَزَوّجا، ومن الزواج وُلِدَ لهما ابنٌ هو يوفوريون، فلم يحدث الشيء نفسه مع فاوست.. هذا هو حلم فاوست الآن».
تعود ثانية إلى حمل هوميروس. ها أنت تحمل هذا الرجل الأعمى على ظهرك، لكنه هو الذي يدلك إلى الأوديسة هذه المرة، وتقرأ: «وَذَهَبنا إلى الشاطئ، وأنزلنا الفلك إلى الماء، ثم أصلحنا القلاع، ونشرنا الشراع، ووضعنا القرابين على السطح، وذرفنا من الدموع ما شاءت لنا الهموم والآلام، وأقلعنا».
وأنت الحامل والمحمول في الكتب. هي أيضاً هذه الكائنات الورقية تحملك وتسافر بك، وتأخذك إلى مدن، وبشر، وجسور، ودروب، وقلاع، وكهوف، وغابات، وبحار وأنهار لم تكن رأيتها من قبل، كأن الكتب تكشف لك سرّ الأسرار، وتضيء قلبك بالنور.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"