بديل التطرف والعبث

00:12 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السويجي

إذا أردت أن تخلق حرباً لا تنتهي وفتنة لا تزول، ما عليك سوى تأجيج الطائفية والمذهبية والعقائدية؛ بحيث تجعل كل طرف يعتقد بأنه الأكثر سيراً على السراط المستقيم، وأنه على حق، وأن الآخرين على ضلالة، ويخططون لتدميره أو تكفيره أو شيطنته أو مسحه من الوجود. وإذا ما ترافق هذا التوجه بالحملات الإعلامية والدعائية، والقصص المغالية الأقرب إلى الفنتازيا التي تقدس الأفراد وتسبغ عليهم صفات النبوة، وإذا ما واكب هذا التوجه الجهل ورافقه تقوقع على الذات، إذا حدث كل هذا فاعلم أنك زرعت بذور الشتات والفرقة وعدم الاستقرار والكراهية وبذور الحروب الأهلية إلى أمد طويل.

العالم العربي مملوء بالطوائف والمذاهب والمعتقدات والطرق الدينية، ومملوء أيضاً بالأقليات العرقية، وينتشر الجهل فيه إلى درجة صادمة، وتسوده أمية أبجدية عدا الأمية الإلكترونية والمعرفية. هذا العالم جرّب صنوف الأفكار والفلسفات كافة، من الشيوعية والاشتراكية إلى الرأسمالية إلى القومية إلى الدينية وظل على ما هو عليه، باستثناء دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي التي شقت طريقها بأساليب مغايرة وثبّتت أركان حكمها وأنظمتها، وحقّقت تنمية استثنائية نتيجة الاستقرار السياسي والاقتصادي، إضافة إلى الخصوصية المجتمعية والانسجام الديموغرافي والعقائدي الذي يسودها منذ نشأتها حتى اليوم، وعلى الرغم من ذلك، فإنها تتجه نحو تطبيق نظام تحرري يأخذ في الحسبان حرية الفرد وتقدير خياراته واحترامها.

النماذج كثيرة في العالم العربي في مشرقه ومغربه، تراكمت فيها الأزمات الاجتماعية والفكرية والعقائدية إلى درجة تقترب فيها من الانفجار، والربيع العربي، كما يطلقون عليه، لم يكن التجلي الحقيقي للأزمة، فهناك دول لم يصلها ذاك الربيع المقيت، وعلى الرغم من ذلك تغلي في داخلها الطائفية والعرقية والمذهبية، ويبدو أنه كانت هناك قصدية للإبقاء على التنازع الطائفي والتكوين المذهبي من قبل السياسيين ومن يقود السياسيين، للإبقاء على حالة اللااستقرار، والحاجة الملحة عند الشعوب لزعيم طائفي يشكل لهم المنقذ.

  لقد تعرضت هذه الدول لأنظمة حكم استبدادية سُمّيت بالجمهوريات الملكية، حكم فيها الرئيس الجمهوري البلاد لعشرات السنين، وحين هيّج الربيع العربي الفوضى في المجتمعات، ظهرت عوراتها السياسية والاقتصادية والتعليمية والاجتماعية والمعرفية وغيرها، وتبيّن أن الرئيس الجمهوري لم يكن يهتم سوى بالمدن، أما الأرياف فتحيا في عصور أخرى مملوءة بالتخلف والفقر والجهل والتطرف الديني والمجتمعي، ويسودها زواج القاصرات وتشغيل الأطفال وغيره، كل ذلك باسم المذهب والطائفة والحزب والدين وأحياناً باسم الجهاد والمقاومة ومقارعة إسرائيل.

 ولو طبقت هذه الدول الدين والأخلاق في السياسة والتربية لكان حالها أفضل بكثير، لكن السوس ينخرها والفساد يتحكم فيها، ولهذا، فإن أفضل حل لإنقاذ هذه الشعوب واستقرار الدول هو مبدأ الدين لله والوطن للجميع، وهو مبدأ العَلمانية التي حاربوها باسم الدين والتطرف والوطنية، ولو تعمقوا أكثر في الدين لوجدوا أن تجلياته تكمن في العلاقة الفردية الخاصة بين العبد وربه، وأن الإيمان لا يتحقق والعبادة الحقيقية لا تتم إلا بالتواصل الصادق والكامل بين المؤمن والإله، وكل ما عدا ذلك عمل سياسي أي إخضاع الدين للسياسة، فلنترك العبد يقوم بعباداته وليتشارك الناس في بناء الأوطان وتطويرها وازدهارها وتحقيق الحياة الكريمة للمواطن، وتوفير الأمن والأمان له، وهذا الأخير من مهام الدولة الرئيسية وليس من مهام الأحزاب والتنظيمات والمذاهب والطوائف.

أعتقد بأنه آن الأوان للتفكير بنموذج يحقق التنمية الاقتصادية والفكرية والثقافية للشعوب، وينقذها من نير الجهل وعبودية الأفراد. آن الأوان لإطلاق الطاقات الكامنة في الإنسان لبناء الإنسان وليس أي شيء آخر، لأنه الهدف الأسمى للدين والسياسة معاً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"