في انتظار القرار اللغوي

00:30 صباحا
قراءة دقيقتين

هل نضب نهر أفكارنا في السعي إلى النهوض بالعربية؟ أساس المشكلة وهم قديم أن اللغة مقدّسة، بينما لا وجود للغة مقدّسة. علماء اللغة الأفاضل يعلمون أكثر من غيرهم أن جانباً من تطوير العربية يتمثل في تبسيط قواعدها، وهذا لا يعني نصب الفاعل ورفع المفعول.
يجب الاعتراف بأن تربيتنا التقليدية تفتقر إلى التأهيل الذهني للإدارة، الذي يُعدّ الأجيال لاتخاذ القرارات الجريئة. هذه التنشئة مضادّة لتنمية الإحساس بالمسؤولية، لأن من لا يُربّى على الإحساس بالمسؤولية غير جدير بأن يؤتمن. إذا كانت اللغة ثروة، فهي تحتاج إلى تنمية واستثمار وتطوير.
ثمة أكثر من ألف سنة من التقاعس. لعل الجاحظ أوّل من تناول قضية تبسيط قواعد اللغة، حين أوصى بعدم تعليم الصبيان إلاّ ما يفيدهم في حياتهم اليومية. نظريّاً، لقد سبق الإنجليزي آدم سميث، عالم الاقتصاد، بتسعة قرون إلى الدعوة إلى أن تكون اللغة عمليّة سهلة الاستعمال.
انظر اليوم خفّة قواعد الإنجليزية، وتأمّل ضخامة الجثة وثقل الحركة في نحو العربية وصرفها. لم يقل أحد من معاصري الجاحظ: من نحن أمام بحار علمه باللغة والأدب، وفراديس جمالياته الأسلوبية، حتى نتشبّث دونه بجلاميد النحاة؟ بعد ثلاثة قرون من الجاحظ ظهر عملاقان في الأندلس في قرن واحد وسنين متقاربة، وأعلنا ثورة على جمود القواعد وتعقيداتها المتحجّرة، ابن رشد وابن مضاء القرطبي. الأوّل فيلسوف الفلاسفة وفقيه الفقهاء، والآخر فقيه وقاض وعالم لغوي فذّ.
ابن رشد ألّف: «الضروري في صناعة النحو»، وابن مضاء وضع: «الردّ على النحاة». لم يقل أحد: هل في تاريخ الإسلام كله رجل في وزن ابن رشد وفي أيّامه لغويّ كبير بقامة ابن مضاء، فكيف نحجم عن تجربة تطبيق الآراء التي يدعوان إليها؟ ما الذي سنخسره إذا طبّقناها، فإذا لم تثمر عدلنا عنها؟ بعد ألف سنة شهد القرن العشرون لفيفاً نخبوياً من اللغويين والأدباء، كانت لهم دعوة مماثلة. لكن العقول ظلت كما اشتقها العرب الأوائل من ثلاثي عقل الذي هو التقييد والتكبيل.
لزوم ما يلزم: النتيجة الإراديّة: ما لم يشعر علماء اللغة العرب بأنهم أصحاب العربية وأنهم مالكو زمامها، فإنهم لن يتخذوا قرار تحريرها من أغلالها. ماذا لو اتخذ غيرهم القرار؟ سنرى.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"