لبنان و«التدمير الذاتي»

00:12 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

ينشغل اللبنانيون وكل من يتابع تطورات الأزمة في لبنان بتداعيات اعتذار الحريري، ومن الذي سيخلفه في التكليف؛ لتشكيل حكومة جديدة تتولى إنقاذ البلاد من الانهيار الذي حلّ بها على كل المستويات، بينما الشعب اللبناني يئن تحت وطأة هذه الأزمات، ولا أحد يأبه لهذه المعاناة، وكأن قدر اللبنانيين أن يدفعوا بصمت ثمن «جرائم» السياسيين بحقهم من دون أن يُسمح لهم بالتعبير عن آلامهم، أو المطالبة بمحاسبة المسؤولين عنها.

 تمضي الحياة في لبنان، وكأن شيئاً لم يكن، يستقيل الحريري أو غيره من السياسيين، فينشغل الناس في البحث عن بديل، وما إذا كان سيحظى بتغطية طائفية وسياسية، أو أن مصيره سيلحق بمن سبقوه، بينما الوضع الكارثي للبنانيين لا يشغل بال السياسيين، ولا أحد يفكر من هؤلاء، ولو للحظة واحدة، في التنازل ولو قيد أنملة، لخصمه السياسي حتى لا يتهم بالتفريط بحقوق طائفته وامتيازاتها، مغلفاً ذلك باسم حب الطائفة والوطن. والحقيقة أن كل الطبقة السياسية المتنفذة التي تسببت، بكل هذه الأزمات المركبة والمتراكمة، على مدار العقود الماضية، مستعدة للتضحية بالشعب اللبناني، من دون أن يرف لها جفن؛ من أجل المحافظة على مصالحها وامتيازاتها. 

 والمفارقة أن هذه الطبقة السياسية تحاول دوماً إلقاء مسؤولية الأزمات التي تسببت بها على الخارج، الذي تنشد مساعدته، وتطالبه بالفصل بين تقديم المساعدات وتشكيل الحكومة؛ لكن الخارج لا يقدم مساعدات ب«شيك على بياض»، كما جاء على لسان الخارجية الفرنسية، وإنما يريد بالمقابل تشكيل حكومة تقوم بالإصلاحات المطلوبة، والتفاوض مع صندوق النقد الدولي.. والواقع أن مطلب عدم ربط المساعدات بتشكيل الحكومة، لقي رداً عنيفاً من السفيرة الفرنسية في بيروت، حين قالت: «ما يخيف فعلاً هو هذا الإفقار الوحشي اليوم لما كان مثالاً يحتذى في المنطقة.. هذا الانهيار هو نتيجة متعمدة لسوء الإدارة والتقاعس منذ سنوات، وليس نتيجة حصار خارجي»، بينما أكد وزير الخارجية جان ايف لودريان أن الأزمة اللبنانية هي من صنع اللبنانيين أنفسهم؛ القيادات اللبنانية، محذراً من أن لبنان في «طور التدمير الذاتي».

 والحقيقة أن عدم مبالاة القادة اللبنانيين وتمترسهم وراء مصالحهم الذاتية على الرغم من كل هذه الكوارث، دفع حتى الدبلوماسيين إلى الخروج عن اللياقة، كما ورد في تصريحات السفيرة الفرنسية، أو في رسالة الوداع التي نشرها القائم بالأعمال البريطاني مارتن لنغدن على حساب سفارة بلاده في «فيسبوك» وكتب مخاطباً اللبنانيين «اعذروا أسلوبي الجاف ولكن في قلب لبنان شيء عفن».

 من المؤكد أن الدستور والنظام الطائفي اللبناني باتا بحاجة إلى مراجعة جذرية، والاستعاضة عنهما بدستور ونظام عصريين، قوامهما الديمقراطية وحقوق الإنسان ودولة المؤسسات، ولكن ما ثبت حتى الآن أن الطبقة السياسية المتنفذة هي التي أوصلت البلاد إلى هذه الحال، ولم تكلف نفسها عناء وضع خطة لإنقاذ البلاد، وهي غير معنية سوى بالدفاع عن مصالحها وامتيازاتها على الرغم من تغنيها بحب الوطن، ولكن ما نفع هذه الامتيازات إذا انهار الوطن، أو بالعكس ما نفع بقاء لبنان من دون اللبنانيين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"