ثورة الغذاء الجديدة

00:14 صباحا
قراءة دقيقتين

فيصل عابدون

الثورة الغذائية الجديدة واحدة من النبوءات الغريبة التي صادف أن اطلعت عليها الأسبوع الماضي. وأطلق هذه النبوءة المستثمر والمليادرير البريطاني جيم ملون خلال لقاء مع قناة «يورو نيوز» الأوروبية، وزعم فيها أن الألبان واللحوم الحيوانية وحتى الأسماك ستختفي خلال السنوات العشر المقبلة بسبب التقدم العلمي والإنتاج البديل في المختبرات من خلال الزراعة القائمة على الخلايا.

 ويوضح الثري البريطاني أن توقعاته تستند إلى مستويات ثلاثة، تبدأ باختفاء منتجات الألبان، كما نعرفها حالياً، بمعنى أبقار تُحلب لإنتاج الحليب ثم صناعة مشتقاته كالجبن واللبن وأشياء أخرى. والمستوى الثاني يتعلق باللحوم، فنصف لحوم العالم ستكون نباتية سواء كالنوع الذي نعرفه الآن، أو عن طريق الزراعة القائمة على الخلايا، حيث تنتج اللحوم في المعامل بمواصفات عالية جداً ومطابقة لأفضل الأصناف. ثم في غضون عشر سنوات ستنتج نصف أسماك العالم بالطريقة ذاتها.

 ويتحدث الرجل حديثاً ناقداً للانبعاثات الحرارية وكميات المياه المستهلكة في مزارع الحيوانات وطرق الزراعة الحقلية المعروفة. ويقول إن 20 في المائة من الانبعاثات التي تسبب الاحتباس الحراري الذي يقلقنا في الوقت الحالي تأتي من الاستزراع المكثف للحيوانات. لذلك إذا لم تقم بتربية الحيوانات على نطاق واسع وقمت عوضاً عن ذلك بإنتاج لحومها في المصانع، فلن تتسبب بهذه الانبعاثات. يمكننا القضاء على خمس الانبعاثات. 80 مليار حيوان وتريليونا سمكة تُقتل كل عام للاستهلاك البشري.

 ومع النجاح المزعوم للثورة الغذائية الجديدة يقول جيم ملون إن على مربي الماشية أن يجدوا وظيفة أخرى. والأمر نفسه بالنسبة للمزارعين والصيادين في البحار والأنهار لأن كل شيء سيكون جاهزاً في المختبرات وبمواصفات أفضل للصحة، كما أنها تحافظ على المناخ وتسيطر على قضية الاحتباس الحراري المثيرة للقلق.

 عادت هذه النبوءة إلى ذاكرتي مع حلول عيد الأضحى المبارك، وقلت إن الرجل يتعسف كثيراً في استشراف مستويات واتجاهات التطور العلمي. استشراف متعسف لاتجاه التطور العلمي يفتقر للخيال والدراسة الدقيقة لتفاصيل الواقع الإنساني المعقد في تمظهراته الدينية والثقافية والاجتماعية.

 وفي معرض تحدي هذه التوقعات الغريبة يجدر أن نضع في الحسبان حوالي ملياري مسلم في العالم يحتفلون بأعياد الأضحى بذبح الذبائح وهي شيء مقدس بالنسبة لهم، كما أن أصحاب ديانات أخرى يعتبرون الذبيحة قرباناً وتقرباً من الآلهة، وبالتالي فإن أي منتج من اللحوم النباتية تنتجه المختبرات لن يكون مقبولاً في الأساس. هذه عقبة ثقافية كبرى ربما لم يضعها الرجل في حسبانه. 

 من الناحية الأخرى، فإن تلبية الاحتياجات من المنتجات الغذائية المختبرية، لن تكون أمراً ممكناً بأي حال من الأحوال، فسكان الكوكب يتزايدون بمتوالية عددية وبسرعة فائقة.

 وبالتأكيد فإن مزارع تربية المواشي والمراعي المفتوحة لن تختفي كما تزعم النبوءة، وسيظل المزارعون عاكفين على إنتاج المحاصيل المختلفة، كما أن البحار والأنهار ستظل مليئة بالصيادين، وستظل أسواق الأسماك عامرة بالبضائع والزبائن، وسيظل شكل العالم من دون تغييرات راديكالية لسنوات عديدة قادمة.. وكل عام وأنتم بخير.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"