أحزان طفولية

00:02 صباحا
قراءة دقيقتين

ما من حزن بشري أعمق وأصدق من حزن الطفل، وبخاصة حين يفقد أمه أو أباه وهو في العاشرة أو دون الخامسة عشرة من عمره؛ حيث تتفتح حياته على أقرب وأجمل الناس إليه: والده ووالدته، وحيث تشكل وعيه ووجدانه، وأخذ يفرق بين الحزن والفرح، ويعرف الفرق بينهما ليس بعقله؛ بل بقلبه.
قبل أيام تابعت برنامجاً وثائقياً حول مجموعة من الأطفال مات آباؤهم أو أمهاتهم، فكانت أجوبتهم أو تعليقاتهم على رحيل ذويهم أشبه بمقتطفات عفوية هي ذاتها مبعث آخر على الحزن، وفي الوقت نفسه، تقرأ خلالها كيف ينبثق حزن الطفل في عبارة أو في جملة هي أكثر بلاغة من دموع بعض الكبار الذين يزعمون الحزن، فيسهل عليك وصفها بدموع التماسيح.
الطفل لا يمكن أن يكون تمساحاً، إنه أقرب إلى طائر صغير أو برعم شجرة، وإذا أردت أن تتعلم لغة القلب فخذها عن قلب الطفل، وقبل سنوات قرأت تقريراً عن تعلّم اللغات وجاء فيه أن أسهل طريقة لتعلم اللغة الإنجليزية هي أخذها عن ألسنة الأطفال، فضلاً عن أن بيكاسو كما يقال دائماً كان يحلم أن يرسم بالعبقرية العفوية التي يرسم بها الأطفال.
في البرنامج الوثائقي الذي جاء بعنوان «أحزان بريئة» تسأل معدة البرنامج أحد الأطفال عن قوته أو أين تكمن قوته؟ فقال: قوتي الخارقة في البكاء أو تجاوز الصعاب حين أبكي. وتسأل آخر ما هي الروح؟ فيجيب، إنها لبّ الجسم، ويتحدث أحد الأطفال عن والدته التي توفيت في حادث سير يتحدث ومعه قطعة ما، قد تكون قطعة حديد ويقول: سأحتفظ بها علّها تكون من سيارتها. ويقول طفل آخر: ذهبت إلى حمام السباحة ولم أستمتع «لأن والده لم يكن هناك»، ويقول طفل آخر بكل بساطة وبراءة: أبي لم يرتدِ حذاءه لأنه مات. ويقول آخر مخاطباً أمه وأباه: استمتعا بوقتكما فأنتما في الجنة.
 ومن أطرف ما جاء في هذه الأحزان البريئة هذا الحوار الطفولي:
 * أتعرف ما وراء الغيوم؟ 
- الكون
 * لا
 - الجنة وراء الغيوم.
أحد الأطفال يصف الجنة وهو يقول: الجنة كوكب وردي يمكن أن نلعب هناك. والموجودون هناك يتحولون إلى ملائكة، والدي موجود هناك.
من طرائف الحزن أيضاً حين يصدر عن قلب طفل ما جاء من محادثة بين طفل وأمّه بخصوص دفن رماد والده. تقول له أمّه: أقترح أن ندفن رماد والدك في نيويورك..ما رأيك أنت هل ندفنه هناك أم أن لك رأياً آخر؟ فيجيبها: أقترح أن ندفنه في لاس فيجاس؟، فتضحك، قائلة: ولماذا لا فيجاس؟ فيقول: حتى نذهب إلى هناك.
ما هي الروح؟ إنها لبّ الجسم. وما هي السياسة؟ ستعرفها عندما تكبر. وثمة من يبحث عن قبر والده في قسم الصفصاف في المقبرة.
يجد أحد الأطفال قبر والده، فيسأل أمّه: هل هذا الرقم على القبر هو رقم هاتفه، تجيبه: إنه تاريخ وفاته.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"