عادي

حكم الفقه الإسلامي في بيع ملك الغير

22:36 مساء
قراءة 3 دقائق

أحمد حلمي سيف النصر
ومن الأمور المتفق عليها أن الإنسان حر التصرف فيما يملك، وعلى الغير احترام هذه الحرية، ومن القواعد المتفق عليها أن فاقد الشيء لا يعطيه، وحتى يقع البيع صحيحاً يجب أن يكون البائع مالكاً للمبيع، وإلا وقعنا في مشكلة بيع ملك الغير.

المقايضة

لم يكن البيع معروفاً عند الأمم السابقة، بل سبقه المقايضة، فكان الناس يقومون بسد حاجاتهم من السلع بمقايضة سلعة مكان سلعة. وعندما ظهرت النقود ظهر بظهورها البيع فحلّ محلّ المقايضة وأصبح أهم أداة للتعامل بين الناس، فهو الوسيلة الوحيدة التي يحصل بها الشخص على معظم حاجاته وهو في الوقت نفسه الوسيلة التي يتصرف بها الفرد فيما لا يحتاج إليه.

ويعد عقد البيع العقد الأول في حياتنا، إذ لولاه لما تمكن الإنسان من الحصول على حاجاته ولكسدت أعماله، فالبائع والمشتري هما طرفا عملية البيع، ولا تنتقل ملكية المبيع من البائع إلى المشتري إلا إذا كان مالكاً للمبيع. وعلى الرغم من ذلك قد يحصل أن يبيع الشخص ما لا يملكه، وهنا نكون أمام أحد تصرفات الفضولي، وهو بذلك يبيع ملك الغير.

وخص المشرع عقد البيع بأحكام خاصة فنص على جواز إبطال البيع في حالتين هما: حق المشتري في طلب إبطال البيع إذا لم يكن عالماً بالمبيع علماً كافياً، وحق المشتري في طلب إبطال العقد إذا كان المبيع غير مملوك للبائع.

عقد ملزم

إن البيع عقد ملزم بين طرفين هما البائع والمشتري، فهو يلزم البائع بأن ينقل للمشتري ملكية شيء أو حق مالي آخر، ويلزم المشتري بدفع مقابل لذلك ثمناً نقدياً. وعقد البيع بهذا له خصائص بالغة الأهمية، فهو عقد رضائي ملزم، وهو عقد معاوضة ناقل للملكية ولابد أن يتصف العقد بهذا وإلا اعتبر غير صحيح شرعاً.

ولا يجوز للمسلم أن يبيع شيئاً لا يملكه، وذلك للنهي الصحيح الصريح الوارد عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم،إذ قال: «لا تبع ما ليس عندك»، أي لا تبع ما لا تملك. ولا يجوز للإنسان أن يبيع شيئاً معيناً لا أرضاً ولا غيرها إلا إذا كان في ملكه وتحت تصرفه. ومن آثار البيع التي تترتب عليه: انتقال ملكية السلعة من البائع إلى المشتري، ونقل ملكية الثمن من المشتري إلى البائع، فيحل لكل منهما التصرف فيما ملكه بما شرع الله.

لم تأت الشريعة الإسلامية بأحكام فقط في البيوع، وإنما بآداب، وأخلاقيات للبيع، وأخلاق للتاجر، والبائع، والمشتري.

قال صلى الله عليه وسلم: «يا معشر التجار إن الشيطان والإثم يحضران البيع فشوبوا بيعكم بالصدقة»، وقال: «يا معشر التجار إن هذا البيع يحضره اللغو، والحلف، فشوبوه بالصدقة».

ونظراً لما يحدث في البيوع من الاختلافات الشديدة؛ ولأنه مظنة للخصومة جاءت الشريعة بأحكام قاطعة تفصل النزعات بين المسلمين؛ فقال صلى الله عليه وسلم:«إذا اختلف البيعان، وليس بينهما بينة، والمبيع قائم بعينه (السلعة موجودة) فالقول ما قال البائع، أو يتركان البيع»، فإما أن يمشيا على قول البائع أنها بسعر كذا، ولا يبيعها إلا بكذا أو يتركا البيع. وقال صلى الله عليه وسلم مبيناً أمراً آخر مهمّاً يفصل النزاعات في مسألة البيوع، «إذ تبايع الرجلان، فكل واحد منهما بالخيار، ما لم يتفرقا، وكانا جميعاً، أو يخير أحدهما الآخر، فإن خير أحدهما الآخر، فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع، وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك واحد منهما البيع، فقد وجب البيع، وجب البيع». يعني ذلك: لزم البائع تسليم السلعة، ولزم المشتري تسليم الثمن.

ورغم فساد هذا النوع من العقود الباطلة إلا أنه يظل قائماً نافذاً بين طرفيه منتجاً لآثاره حتى يقضي بالبطلان كما أن المشتري له حق المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي أصابه بسبب البطلان متى كان يجهل وقت العقد عدم ملكية البائع للمبيع بطلان العقد.

الفقه الإسلامي حكم بتأصيل بطلان هذا العقد من خلال 5 نظريات هي الفسخ، والعقد الموقوف، والبطلان النسبي، والبطلان المطلق، وتحول العقد الباطل. ويمكن القول إن الرأي الراجح فقهياً هو القائل إن بيع ملك الغير يقع باطلاً حتى بعد صدور قانون التسجيل على أن يكون بطلانه لمصلحة المشتري ويستمر منتجاً لآثاره نافذاً وقائماً حتى يحكم ببطلانه.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"