باراجواي المعاصرة

الشعوب الأصلية والسياسة والمجتمع
22:31 مساء
ترجمة وعرض:
نضال إبراهيم
قراءة 8 دقائق
1
1

عن المؤلف

الصورة
1
باربارا أ. جانسون
باربرا أ. جانســـون مؤلفة لكتـــــب عديــدة وأستــــاذة التاريخ ومديرة دراسات الكاريبي وأمريكا اللاتينية في جامعة فلوريدا أتلانتيك في بوكا راتون، فلوريدا

تعد باراجواي واحدة من أفقر بلدان أمريكا اللاتينية، شهدت تطورات سياسية واجتماعية عديدة بعد سقوط دكتاتورية الجنرال ألفريدو ستروسنر في 1989. يتناول هذا العمل جانباً من تاريخ هذه الدولة، وكيفية تشكلها، والإصلاحات الديمقراطية خلال العقود الثلاثة الماضية، وجوانب الخلل في الحوكمة.
يستكشف الكتاب عبر مجموعة من المقالات المتنوعة آخر التطورات في باراجواي على مدار الثلاثين عاماً الماضية منذ سقوط الجنرال ألفريدو ستروسنر (1912-2006) من السلطة في عام 1989. ولا يزال إرث ستروسنر الاستبدادي القوي يؤثر في الثقافة السياسية في باراجواي اليوم؛ حيث يستمر حزب كولورادو المحافظ في السيطرة على المشهد السياسي على الرغم من تحول البلاد إلى ديمقراطية حديثة.

تقدم المقالات مفاهيم جديدة لكيفية اندماج باراجواي في الاقتصاد والمجتمعات الإقليمية في أمريكا اللاتينية، وكيف أنها تغيرت بطرق غير متوقعة. يبحث أيضاً في كيفية تأثير التغيير السياسي على سكان باراجواي، لاسيما سكانها الأصليين، وكيف تكيف السكان مع التخلص من التقاليد الاستبدادية.

بعد سقوط ستروسنر

كان عام 1989 نقطة تحول في تاريخ العالم، فلم يقتصر الأمر على سقوط جدار برلين، وإنهاء الحرب الباردة رسمياً؛ بل كان العام الذي سقط فيه أحد أكثر دكتاتوريي أمريكا اللاتينية ثباتاً وهو الجنرال ألفريدو ستروسنر (1912-2006)، من السلطة في باراجواي بعد خمسة وثلاثين عاماً.

تركز الكتابة على التطورات الأخيرة في باراجواي، منذ أن فرّ الجنرال ستروسنر إلى المنفى إلى البرازيل بعد الانقلاب، والتحرر من الحكم الاستبدادي والفساد وكذلك عدم المساواة الاقتصادية والفقر المدقع والقطاع غير الرسمي العريض (نظام تجاري أو تبادل اقتصادي، بما في ذلك مقايضة السلع والخدمات، يمارسه الباعة الجائلون والتجار) ومع ذلك، لم يكن الأمر سهلاً بالنسبة للديمقراطية الناشئة في باراجواي، على الرغم من قيامها بإنشاء أحد أسرع الاقتصادات نمواً في أمريكا الجنوبية منذ عام 2003.

وبين عامي 2004 و2017، أظهرت باراجواي معدلات هي الأقوى على صعيد النمو الاقتصادي في المنطقة، بمتوسط 4.5 في المئة تقريباً سنوياً خلال تلك الفترة. ومع ذلك، انخفض الناتج المحلي الإجمالي السنوي من 5 في المئة إلى أقل من 1 في المئة في عام 2019 بسبب الطقس السيئ وتأثيره في المحاصيل والعلاقات التجارية غير الجيدة مع البرازيل والأرجنتين، خاصة أن الدافع الأكبر للنمو هو القطاع الزراعي وتصدير السلع الأساسية إلى السوق العالمية. كما أصبحت باراجواي رابع أكبر مصدر لفول الصويا في العالم، وهي تحتل المرتبة الأولى بين أكبر عشرة مصدرين للحوم البقر من حيث الحمولة الإجمالية، وهي أيضاً واحدة من أكبر منتجي ومصدري الطاقة الكهرومائية في العالم. السؤال الذي تطرحه هذه المقالات هو: كيف كان أداء مجتمع باراجواي منذ الإطاحة بدكتاتورية ستروسنر؟

لمحة تاريخية

قد يكون السكان الأصليون في باراجواي، بحسب الكاتبة، قد أطلقوا على مقاطعة كولونيال باراجواي الكبيرة اسم نهر باراجواي، الذي تزينه الجزر العائمة من النباتات المائية. في لغة توبو-غواراني، «بارا» تعني «التنوع»، وتعني كلمة «غوا» «يزيّن» و«واي»، تعني «الماء»، لذلك من المحتمل أن تعني باراجواي «النهر المتوج»، في إشارة إلى شكل بحيرة «إكساريس»، منابع النهر.

تعود الكاتبة إلى تاريخ باراجواي، وتقول: «في منتصف القرن السادس عشر، أصبحت باراجواي، مركزاً للغزو الإسباني في منطقة ريو دي لا بلاتا خلال رحلة المسكشف والعسكري الإسباني بيدرو دي ميندوزا، في غضون ثلاثة أشهر بعد التأسيس الأولي لبوينس آيرس عام 1536. في رسالة كتبت عام 1556 وصفت دونا إيزابيل دي جيفارا، وهي امرأة إسبانية في الرحلة الاستكشافية، الصعوبات الشديدة التي تحملها الإسبان خلال رحلتهم، بما في ذلك الخمسمئة امرأة اللائي رافقهن. وأشارت إلى أن ألف إسباني مات من الجوع، في أعقاب الهجمات التي شنها السكان الأصليون الرحل في البامبا. وذكرت أن الرجال أصبحوا ضعفاء لدرجة أن النساء الإسبانيات اضطلعن بعمل الحراسة في الليل».

وتضيف: «أشارت جيفارا أيضاً إلى كيفية تحضير النساء للطعام، والاهتمام بالمرضى، وغسل الملابس. قرر بيدرو دي ميندوزا، الذي عانى مرض الزهري، العودة إلى إسبانيا، لكنه توفي في 23 يونيو 1537 ودفن في البحر. لم يستطع الإسبان التكيف مع البيئة في الأراضي العشبية في بامباس في بوينس آيرس، وسافروا أكثر من ألف ميل على طول نهر باراجواي لإنشاء بؤرة استيطانية تسمى «نويسترا سينورا دي سانتا ماريا دي لا أسونسيون» في باراجواي في عام 1537. هناك، واجه المستكشفون تحت قيادة خوان دي أيولاس حوالي أربعة وعشرين ألفاً من السكان الأصليين شبه المستقرين (كايرو-غواراني) الذين رحبوا - بعد بعض المناوشات العسكرية الصغيرة - بفكرة تشكيل تحالف عسكري وتأسيس علاقة مع الإسبان من أجل مواجهة أعدائهم التقليديين وهم البدو الرحل في المنطقة الغربية القاحلة المعروفة باسم تشاكو».

وتشير أيضاً إلى أن «باراجواي أصبحت أمة، فصلت نفسها عن سيطرة البورتينيوس (سكان الميناء) في بوينس آيرس بهزيمة القوات بقيادة الجنرال مانويل بيلجرانو في معركة سيرو بورتينيو في 18 يناير 1811. في 9 مارس 1811، هزم الباراجواييون ميليشيات أرجنتينية للمرة الثانية بالقرب من نهر تاكاري أحد روافد نهر باراجواي. استولى العضو البارز في المجلس العسكري الثوري، خوسيه غاسبار رودريغيز دي فرانسيا على السلطة في عام 1813 كواحد من اثنين من القناصل في جمهورية باراجواي الجديدة، ثم «دكتاتوراً» من عام 1814 حتى وفاته في 1840، وكان قد أغلق إلى حد كبير جميع حدود باراجواي لضمان الاستقلال السياسي للبلاد وسلامته الإقليمية. على النقيض من ذلك، فتح خليفته، الدكتاتور كارلوس أنطونيو لوبيز (1790-1862) البلاد أمام التجارة، متطلعاً نحو أوروبا لتطوير البنية التحتية لباراجواي من خلال التعاقد مع مهندسين أوروبيين لبناء خطوط السكك الحديدية الأولى في أمريكا الجنوبية، والحصول على البواخر الحديثة والمركبات الحديدية والسفن الحربية. في عام 1846، كان 42 في المئة (100314 شخصاً) من سكان باراجواي البالغ عددهم 238862 نسمة يعيشون في العاصمة أسونسيون».

وتضيف: «نجل لوبيز المصاب بجنون العظمة، شن حرباً ضد البرازيل والأرجنتين وأوروغواي، من ديسمبر 1864 إلى مارس 1870. لا تزال هذه الحرب (المعروفة أيضاً باسم حرب التحالف الثلاثي أو «الحرب العظمى») هي الحرب الشاملة الوحيدة في أمريكا اللاتينية؛ لقد كانت صراعاً على الحدود الإقليمية والموارد الطبيعية وحقوق الملاحة والقوة بين قوى المحافظين والليبرالية. وبحلول مارس 1870، فقدت باراجواي أكثر من ثلث أراضيها في الحرب لصالح البرازيل و الأرجنتين وما يقرب من نصف سكانها، على الرغم من أن حجم الخسائر الديموغرافية في باراجواي في الحرب الأكثر كارثية في أمريكا اللاتينية لا يزال موضع جدل. في أعقاب احتلال الأرجنتين والبرازيل لمدة ست سنوات واعتماد أول دستور للبلاد في عام 1870، ألغى العبودية، ظهرت الأحزاب السياسية الرئيسية الأولى في باراجواي. هيمن حزب كولورادو المحافظ على السياسة في باراجواي من عام 1887 إلى عام 1904؛ ثم الحزب الليبرالي الذي سيطر على جزء كبير من أوائل القرن العشرين. حكم بعض المفكرين البارزين في باراجواي في أوائل القرن العشرين، مثل الرئيس مانويل جوندرا بيريرا (1871-1927)، لكنهم واجهوا صعوبة كبيرة في البقاء في السلطة لفترة طويلة جداً. من عام 1870 إلى عام 1929، كانت المكاسب السكانية من الهجرة طفيفة فقط. فتحت حكومة باراجواي مساحات شاسعة من الأراضي في تشاكو ابتداء من عام 1880؛ حيث حدثت الهجرة الأكثر أهمية بين الطائفة المينوناتية المسيحية الذين وصلوا من ألمانيا وكندا وروسيا والولايات المتحدة (بنسلفانيا بشكل أساسي) بداية من عام 1927، خمسة آلاف منهم عاشوا في ستة وثلاثين مجتمعاً بحلول عام 1933-1935، جاء المينونايت بحثاً عن الحرية الدينية وانجذابهم إلى توافر الأراضي المجانية في تشاكو التي قدمتها لهم حكومة باراجواي».

الإصلاحات الديمقراطية

في الفراغ الذي نتج عن الإطاحة بستروسنر، أصبحت الإصلاحات الديمقراطية قابلة للحياة. يمكن القول إن باراجواي، شهدت تغيرات ديمقراطية فعلية في السنوات الأخيرة، وهي واضحة على المستوى الداخلي والخارجي، لكن لا تزال تعاني الفساد السياسي وسوء الإدارة والفقر.

وفي نظرة على التطورات بعد سترسنر، فقد جرت أول انتخابات بلدية في باراجواي في مايو 1991. وتبع ذلك دستور جديد أكثر ديمقراطية في يونيو 1992. انتخب باراجواي، في مايو 1993، مرشح حزب كولورادو خوان كارلوس واسموسي كأول رئيس مدني تقريباً خلال نصف قرن. ومع ذلك، لم يكن الانتقال إلى الديمقراطية بدون نكسات. ففي عام 1996 حدثت مواجهة بين الرئيس واسموسي والجنرال لينو سيزار أوفييدو سيلفا بشأن خطة واسموسي لإعادة هيكلة الجيش. طالب أوفييدو باستقالة واسموسي، وبدعم من 5000 جندي، أجبر واسموسي على طلب اللجوء المؤقت في السفارة الأمريكية. ثم حاول أوفييدو الترشح عن حزب كولورادو في الانتخابات الرئاسية لعام 1998، لكنه أجبر على الخروج من السباق الانتخابي وحُوصر عندما أيدت المحكمة العليا إدانته بالمشاركة في محاولة الانقلاب عام 1996. في النهاية، أصبح راؤول كوباس جراو، المهندس الثري والموالي لأوفيدو، مرشح حزب كولورادو وانتخب رئيساً.

تدهورت مصداقية حكومة باراجواي؛ حيث طغى العنف على الانتخابات. وفي عام 1999، اغتيل نائب الرئيس لويس ماريا أرغانا فيرارو، زعيم الفصيل المحافظ لحزب كولورادو. شعر الكثيرون أن الرئيس كوباس غراو كان محرضاً، وإن لم يكن مشاركاً نشطاً، في اغتيال منافسه داخل الحزب. خرج المتظاهرون إلى الشوارع مطالبين باستقالة كوباس جراو. مع انتظار محاكمة عزله، استقال كوباس غراو في مارس 1999، وطلب اللجوء السياسي في البرازيل.

منذ عام 2000، استمر الفساد والانقسامات القاسية في حكومة باراجواي. وعلى الرغم من أن الانتخابات أصبحت ديمقراطية بشكل كبير، إلا أن باراجواي لم تستقر بعد في فترة طويلة من الحكم الديمقراطي الوظيفي. في عام 2002، نظم تحالف من المزارعين وأعضاء النقابات والمنظمات اليسارية احتجاجات حاشدة في جميع أنحاء البلاد، وشجبوا اقتصاديات السوق الحرة ودعوا الحكومة إلى استعادة سيطرة الدولة على الاقتصاد. في أوائل عام 2003، حوكم غونزاليس ماتشي، الذي كان يُنظر إلى إدارته على نطاق واسع على أنها فاسدة، لكن تمت إدانته في محاكمة عزل في مجلس الشيوخ بتهمة الفساد وسوء الإدارة. تفاقمت المشكلات الاقتصادية مع استمرار تحمل البلاد للديون. ومع ذلك، مرت انتخابات إبريل 2003 دون عنف أو احتجاج. فاز أوسكار نيكانور دوارتي فروتوس من حزب كولورادو بالرئاسة وتم تنصيبه في 15 أغسطس 2003. منذ انتخابه، نجح دوارتي في استعادة علاقة باراجواي مع صندوق النقد الدولي وتحقيق الاستقرار الاقتصادي جزئياً نتيجة لمبادرات الإصلاح المختلفة. وقد حظيت جهوده للقضاء على الفساد بتأييد شعبي واسع، لكن استمر الاضطراب السياسي، فقد تولى الرئاسة فرناندو لوغو مينديز منذ 15 أغسطس 2008 إلى 2012. أقاله البرلمان على خلفية مواجهات أدت إلى مقتل 11 قروياً و6 من رجال الشرطة، وبعده جاء فيديريكو فرانكو من 22 يونيو 2012 إلى 15 أغسطس 2013، ثم هوراسيو مانويل كارتس خارا وهو رجل أعمال عضو في حزب كولورادو، تولى السلطة رسمياً في 15 أغسطس 2013 إلى 2018، ويترأس البلاد منذ أغسطس 2018 ماريو عبده بينيتز وهو من أصول لبنانية، وكان ابناً لأحد مساعدي الدكتاتور السابق ألفريدو ستروسنر وكان قد واجه انتقادات لدفاعه عن فترة حكم ستروسنر.

بنية الكتاب

 يتكون الكتاب الصادر عن مطبعة جامعة نيو مكسيكو (1 يونيو 2021) باللغة الإنجليزية ضمن 224 صفحة، من ستة فصول هي: الفصل الأول: «السكان الأصليون في باراغواي وانتقال أمريكا اللاتينية إلى الديمقراطية» بقلم رينيه دي هاردر هورست؛ الفصل الثاني: «الغواراني: من سكان الغابات إلى لاجئين حضريين» بقلم ريتشارد ك. ريد؛ الفصل الثالث: «إعادة التفكير في حضارة أيوريو: علاقات العمل والمطالبات بالأراضي في مستعمرة مينونايت في تشاكو» بقلم باولا كانوفا؛ الفصل الرابع: «النظام السياسي في باراغواي من الهيمنة الاستبدادية إلى التعددية المعتدلة، 1954-2019» بقلم سارة باتريشيا سيرنا فيلاجرا، وسارا مابيل فيلالبا بورتيو وإدواردو تامايو بيلدا وروكي ميريليس بينتوس

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن المترجم

نضال إبراهيم

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"

المزيد من الكتب والكتاب

1
زاندر دنلاب
1
ميريام لانج وماري ماناهان وبرينو برينجل
جنود في كشمير
فرحان م. تشاك
1
داون سي ميرفي
1
مايكل كريبون
لاجئون سوريون في تركيا
لميس علمي عبد العاطي
1
ديزيريه ليم
1
جيمي دريبر