بين التهوّر والالتزام

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين
صباح الخير

قليلة هي الدول التي تتمتّع بمرونة القوانين والقرارات، والعمل في كثير من الأحيان، ب«روحها»، وليس ب«نصّها». وليس من سبب إلّا التسهيل على الناس، وخدمة مصالحهم، والنظر بعين الرّأفة والرحمة والإنسانية إلى كثير من الحالات التي يرى فيها رجل الأمن أو القاضي، أو المسؤول، أياً تكن مهامه، أنّ هذه الحالة أو تلك حكمتها ظروف معيّنة أو طوارئ لا فكاك منها.... إلخ، فيكون الرأي أو القرار أو الحكم بإعطاء فرصة ثانية..
هذا كلّه ينضوي تحت عنوان عريض هو «الحضارة» التي لا تعني المباني الشاهقة والمدن المزدحمة والمظاهر الفارهة، وحسب، بل تعني قبل كل شيء، الاهتمام بالإنسان وراحته ورغده واطمئنانه وأمنه وأمانه، لأنه هو من يصنع تلك الحضارة، فإذا توافرت هذه الشروط كلّها، فإن بناء الحضارة سيتطاول ويشمخ ويسمو، وإذا لم يكن كذلك، فلا حضارة أصلاً، وإذا كان هناك بنيان حضاري، فهو آيل للسقوط والانهيار.
ما ساقنا إلى هذا كلّه، ما يتوارد بين الحين والآخر من أخبار، تشعل النفس غضباً، وتندي الجباه حياء؛ من مثل القيادة بتهوّر وطيش، أو الدخول في طريق باتجاه مخالف للسير، في أحد الطرق العامة، ومفاجأة سيارة مقابلة، فلا يتمكّن من كبح سيارته، فيدخل في الأخرى، وتكون النتيجة كارثية مأساوية.
فلا شيء يمكن أن يصف هول المأساة لأهل الضحايا الذين يسقطون عن هذه المخالفة غير المبرّرة؛ لمَ هذا التهوّر الذي لا مبرّر له، فليس أي سبب مهما عظم شأنه أن يدفع أحداً لسلوك خطر، يمكن أن ينهي الحياة...
من قبيل التجاوزات الخطرة التي تنجم عنها حوادث مؤسفة أيضاً، من يكون على المسار الأيسر، ويسير مسرعاً باعتقاد أن هذا المسار ملك شخصيّ له، فيبدأ بإضاءة المصابيح القوية لمن أمامه، أو الضغط المتواصل على المنبّه، ليبعده إلى مسار آخر، وقد يكون هذا غير قادر، لوجود مركبات إلى جانبه..
وفي الوقت نفسه، هناك من يخاطر في أثناء أدائه عمله، لإنقاذ مضطر أو مأزوم، وقد يضحّي بنفسه، وهذا رأيناه في هذا الوطن الذي لم ينشأ أبناؤه إلّا على عمل الخير، اقتداء بنهج المغفور له، بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، الذي كان ينهض من الصباح الباكر، وقد يقود سيارته بنفسه، ليتابع أحوال الناس، فيعين المحتاج، ويغيث الملهوف، ويبرئ المجروح.. فطبيعي أن نسمع بين الحين والآخر عن أحد أبناء هذا الوطن وبناته، فعل ما يجعل نفوسنا تمتلئ فخراً، وقلوبنا تنبض بالحب، وأنفسنا تزهو بالعرفان. 
أجل وطننا قدّم لنا الكثير، ومن واجبنا أن نردّ جزءاً من هذا الكثير، بمد يد الخير، والتزام القوانين بكل تفاصيلها واحترامها... فالمتهوّرون طفرة شاذّة.. وغيرهم مرايا ناصعة.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"