جلسة بسيطة عند لانجستون هيوز

00:01 صباحا
قراءة دقيقتين

من وقت إلى آخر يأخذني شغف قراءة الشعر إلى قصائد مختارة أو حتى عشوائية من إفريقيا. إنه ذلك الشعر الأسود المعتّق في خوابي القارّة الحارّة ذات الأمطار الاستوائية، والرائحة الاستوائية أيضاً: رائحة الغابات، والأدغال، والمطر السردي الرمادي إن جازت العبارة.
اذهب إلى وول سوينكا أحياناً، وضعه جانباً إذا رأيت ليوبولد سنجور قادماً من قارّة النمور ولفافات ورق الموز، ونعمات الصنوبر والبلّوط حيث تقاس أعمار الغابات بأعمار الأنهار.
اذهب، إذا أردتَ إلى ي. اثيلبرت ميلر في «في الليل كلنا شعراء سود» والترجمة الصافية الشفيقة بقلم ووعي وصال العلّاق، ولكن هذه المرة اذهب إلى لانجستون هيوز 1902-1967. وما أكثر من ترجمه من العرب إلى لغتنا العبقرية فزادت شعره بلاغة وحنكة وغنائية.
من الترجمات الأهم لشاعر الحياة بالشعر أو الحياة من أجل الشعر تلك التي أنجزها الشاعر والمترجم المحترف سامر أبو هوّاش الذي لا يكتفي بحرفية الترجمة ومهنيتها اللغوية والجمالية، بل، يضيف إلى ذلك شيئاً من روحه الشعرية أيضاً، وإذا أردت الحق، وفي مثل هذه الحالة الأدبية الثقافية بامتياز، فإن أفضل من يترجم الشعر هو الشاعر، وليس أي شاعر، بل الشاعر المثقف الذي يعرف جيداً من أين ومتى تتحوّل الجملة الشعرية إلى كوكب أو برعم أو قوس قزح.
أولاً، تحترم في لانجستون هيوز إفريقيّته السوداء بشكل خاص. إنه يقول لك مباشرة: «.. أنا نيجرو»، وأعتز بلون بشرتي الأسود.. يقول بشكل أكثر من صريح، ترجمة: سامر أبو هوّاش: «أنا نيجرو.. /.. أسود كما الليل أسود.. / أسود مثل أعماق إفريقيا.. /.. كنت عبداً.. /.. ومسحت حذاء واشنطن..».
غير أن هذا «النيجرو» العبد عرف الكثير من أنهار العالم حتى أصبح هو نهراً. صارت روحه عميقة كالأنهار، عرف أنهاراً تاريخية.. «كالعالم وأقدم من تدفّق الدم في عروق البشر..».
عرف الفرات، والنيل، والكونغو، والمسيسيبي، عرف أيضاً الأهرامات، ذلك الطفل الأسود الهادئ.
هذا أيضاً الولد الهامشي الذي ليس مسموحاً له أن يأكل إلا في المطبخ، كناية من تهميشه وعدم المبالاة به، ذلك الطفل الجائع. وأبناء قومه: المقامرون بالنرد، غسّالات الصحون، الطباخون، فنانو الجاز، الملاكمون، بائعو الأرقام، رواة القصص الراقصون.. وإلى آخر هؤلاء المهمّشين. هؤلاء «النيجرو» المهمّشون، اللا شيء. الهوامش. اللّامبالاة.. كل ذلك تحوّل في شعر الإفريقي الزنجي إلى ذاكرة وتاريخ وكرامة.
إن للشعر دائماً وأبداً، في كل الحضارات واللغات قيمة أخرى غير تمجيده الملائكي للجمال والعدل والحرية والحياة. إن قيمة الشعر العظمى أيضاً تكمن في توثيقه للبشر الذين يقعون تحت خط الموت أيضاً، يحوّلهم بهذا التوثيق إلى أبطال وملائكة وأيقونات.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"