التعافي الاقتصادي وفق نظرية أوتار الجيتار

20:00 مساء
قراءة 3 دقائق

د. عبد العظيم حنفي *

في أوائل إبريل صدر تقرير صندوق النقد الدولي الذي اتسم بقدر كبير من التفاؤل حول مستقبل الاقتصاد العالمي. ووفق التقرير، فإن معدل النمو يمكنه الوصول إلى أكثر من 6%، ما يمثل قفزة كبيرة عن التنبؤات المتشائمة السابقة التي توقعت نمواً 5.5% قبل ثلاثة أشهر من صدور التقرير، ونمواً أقل من 4.4% في عام 2022. وهكذا اختلف الحال بعد أن استند التقرير إلى التطورات الجارية في مجال اللقاحات وتوزيعها على مستوى العالم، مع تعزيز الاستهلاك والاستثمار القويان بفضل إعادة فتح الاقتصادات والميزانيات القوية للشركات والأسر، والطلب الكلي الذي فاجأ الكثيرين.

وطبقاً للتقرير فمن المتوقع أن تقود الصين والولايات المتحدة، الاقتصاد العالمي في هذا النمو، تتبعهما الدول المتقدمة الأخرى، وهو توقع تؤيده معظم التحليلات التي ترى أن الولايات المتحدة والصين هما المحركان الرئيسيان للنمو العالمي في عام 2021. وسبق أن أكد صندوق النقد الدولي أن حزمة التحفيز الاقتصادي التي أطلقتها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، ستؤدي إلى دعم أوضاع الاقتصاد العالمي بدرجة كبيرة، لكنه حذّر صانعي السياسات من ضرورة التحسب للمخاطر التي يشكّلها الضخ النقدي الضخم. وأشارت تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن الخطة الأمريكية ستؤدي إلى توسيع نطاق الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بنسبة تراوح بين 5 و6% في غضون ثلاثة أعوام، كما انتعش الإنتاج الصناعي في أغلب البلدان، مما أدى إلى ترسيخ أسعار السلع الأساسية والتجارة الدولية، فيما سجلت صادرات الصين أسرع وتيرة نمو خلال ثلاث سنوات في نوفمبر الماضي، بفضل الطلب القوي عالمياً على السلع الضرورية لتجاوز الجائحة، ما أتاح لثاني أكبر اقتصاد في العالم تسجيل فائض تجاري قياسي. 

وتعد الأرقام دفعة جديدة من الأخبار الجيدة للصين، التي شهدت انتعاشاً بعد تدابير إغلاق للحد من فيروس كورونا المستجد، كما شهدت ألمانيا المعتمدة على التصدير والتي كانت تتجه بالفعل نحو الركود قبل الوباء بسبب تراجع التصنيع، انكماش اقتصادها بنسبة 1.7%، وهو أكبر انكماش في أوروبا، كما تقلصت اقتصادات إسبانيا وإيطاليا والبرتغال، في حين حققت المملكة المتحدة التي واجهت في عام 2020 انتكاسة مزدوجة من الخروج من الاتحاد الأوروبي وكوفيد  19، تقدماً طيباً في تطعيم سكانها، ونجحت في تحسين آفاق نموها.

ومع ذلك، يرى المحللون أن الصورة بالنسبة للاتحاد الأوروبي قد لا تكون قاتمة كما تبدو، فاللقاحات آخذة في الزيادة في جميع أنحاء القارة، وأوروبا في وضع جيد للتعافي، حتى تعود إلى مستويات النمو السابقة على الجائحة، حيث تظل الأسس الاقتصادية واعدة. فأسواق العمل لا تزال قوية ولم يرتفع معدل البطالة في منطقة اليورو، وذلك بفضل التدخلات السياسية.

أما الدول النامية فليس متوقعاً أن تصل إلى معدلات النمو هذه قبل عام 2023، ومن ثم يشهد العالم اليوم بداية تحقيق انتعاش اقتصادي متعدد السرعات، مما يعكس الاختلافات الكبيرة عبر البلدان في احتواء جائحة كورونا، وإنجاح عملية الحصول على اللقاحات وإدارتها، حيث يتفق الخبراء على أن توزيع اللقاحات المضادة لفيروس كورونا هو أكبر عامل يؤثر في الانتعاش الاقتصادي العالمي، ولكن معدل التطعيم في الدول النامية أقل من مثيله في الدول المتقدمة، لذلك من الصعب ضمان التعافي الاقتصادي الكامل لتلك الاقتصادات؛ لأن التفاوت في معدلات التطعيم بين الدول سيؤثر في وتيرة التعافي في الاقتصادات المتقدمة والدول النامية. قد تدخل الاقتصادات الناشئة التي تبدأ برنامج التطعيم في وقت متأخر نوعاً ما، مرحلة التعافي خلال العام القادم، فأغلب البلدان النامية تناضل للحصول على الأموال اللازمة للحفاظ على برامج الدعم القائمة، فضلاً عن استيعاب التكاليف الإضافية التي تفرضها الجائحة، في حين أنفقت الولايات المتحدة نحو 25% من الناتج المحلي الإجمالي لدعم اقتصادها (وبالتالي احتواء حجم الانكماش بدرجة كبيرة)، فلم تتمكن البلدان النامية من إنفاق سوى جزء صغير من تلك النسبة.

* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"