رواية القناع

00:07 صباحا
قراءة دقيقتين

يبني جلال برجس في روايته «دفاتر الورّاق» في ما يبني حكاية مستعارة من أبطال أربع روايات سابقة على «دفاتر الورّاق» التي استحقت جائزة البوكر العربية قبل أسابيع بجدارة أدبية وثقافية في الوقت نفسه، فالبطل إبراهيم، قارئ ومثقف لكنه سيئ الحظ عندما يسطو على كشك الكتب الذي يعيش منه رجل ثري متنفّذ ويقلب حياته رأساً على عقب، ويتحول، بفعل هذا السطو إلى قاتل.
سطو في مقابل سطو، الرجل الذي سرق كشك إبراهيم الورّاق لصّ، وفي الرواية أربعة أقنعة وأربعة تقمّصات.. يحبكها جلال برجس جيداً وبهدوء وبخيوط متوازية ومتداخلة تشبه عمل النسّاج الذي يصنع سجادة فارسية ثمينة.
في «دفاتر الورّاق» أربعة أبطال، كوازيمودو بطل رواية أحدب نوتردام لفيكتور هيجو، وسعيد مهران بطل رواية اللص والكلاب لنجيب محفوظ، وَيُوري إندريفتش جيفاغو بطل رواية دكتور زيفاجو لبوريس باسترناك، ومصطفى سعيد بطل رواية موسم الهجرة إلى الشمال للطّيب صالح.
ثمة تشابهات درامية بين هؤلاء الأبطال الأربعة الذين يحوّلهم جلال برجس إلى قتلة، ولكل قاتل منهم قناع أو أسلوب تقمّص.
لا أريد هنا أن أكتب قراءة انطباعية في الرواية، بل أشير من بعيد إلى ما يمكن أن يُستنتج من هذه الحكاية التي يبدو ظاهرها نوعاً من السرد الشعبي الحكواتي المباشر، أما باطنها فهو ثقافي بامتياز، تراجيدي بامتياز، بل ووجودي أيضاً ونحن أمام طبقة مسحوقة صفرية هامشية منبوذة جزء من وجودها المادي والمعنوي يتكثّف في بيت مهجور في العاصمة الأردنية عمّان، حيث تجري وقائع القتل، ومن الملاحظ هنا، أن هذه الجرائم لم تحدث في مادبا أو في قرية المادبوية الريفية الفطرية، حيث يتحوّل الإنسان في مكانه ذاك إلى كائن مشحون النبل، قوي وجميل، ومملوء بالشجاعة التي تعلمها من الأرض، ويعلّمها له الناس في أقصى درجات أحزانهم الآدمية النقية، بل حدثت هذه الجرائم بأقنعتها وتقمصاتها في عمّان، بل في ما يسمى عمّان الغربية، جهة المدينة التي يقطنها الأثرياء، ومن بينهم ذلك الرجل الذي سطا على كشك الورّاق في وسط البلد.
سأعود إلى ما اجتهدت في استنتاجه، ويتمثل، في ثلاث نقاط:. أولاً.. هل من الممكن أن تؤسس «دفاتر الورّاق» إلى ما يمكن تسميته«رواية القناع»، أو«رواية التقمّص»؟.. سؤال متروك للنقد الأدبي المتخصص بالطبع، وإن كانت تقنية القناع في السرد موجودة في الكثير من الروايات العربية وغير العربية.
النقطة الثانية أن «دفاتر الورّاق» هي بكل وضوح رواية مبنيّة على روايات، وهي أيضاً في اتجاه موازٍ، روايات داخل رواية.
النقطة الثالثة.. لا يمكنك أن تستمتع باكتفاء برواية جلال برجس إن لم تكن أنت أصلاً قارئ روايات، وبكلمة أخيرة، إن لم تكن أنت أصلاً ورّاقاً، أو حبّاراً، وإن لم تكن تجيد تماماً وضع الأقنعة، وتعرف كيف تتقمّص.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"