«التنمّر» الواقعي والإلكتروني

00:07 صباحا
قراءة دقيقتين
صباح الخير

في عالم اليوم، حيث المتغيرات السريعة الضاغطة بقوة على كل المواقف، تجعل من الصعوبة أن يبقى موقف الإنسان متوازناً أو تكون رؤيته واضحة؛ لأن تلك المتغيرات تثير الكثير من الضباب حول التصورات والرؤية، كما أنها تجعل الواقع متغيراً، وكأنه رمال متحركة.
في هذا الواقع، وفي خضمّ تداخل التقنية الحديثة بكل أشكالها، مع الأمور التقليدية التي اعتدناها، فهذه التطورات أفرزت قضايا كان بعضها موجوداً، لكن على نطاقات محدودة، وتكاد لا يدري بها إلا قلة قليلة، فثمّة ظاهرة كانت موجودة في المجتمعات أطلق عليها علماء الاجتماع وعلماء النفس «التنمّر»، والمقصود بها التطاول الزائد والمبالغة في الإساءة أحياناً، وتتنوّع بين لفظية معنوية، وجسدية.. الأولى بالتعدّي بالكلام والقول، بحيث يعتمد المتعدّي على ضعف الضحية أو قلة حيلته، فيستغل هذا الضعف ويزيد في إزعاجه أو إهانته، والأخرى بالتعدّي باليد أو بالركل.. بحيث يتناول جسم الضحية.
وهذه الظاهرة كانت تكثر في المدارس بين الطلاب، بحيث كان الكبار أو الأقوياء منهم يسيئون إلى الصغار لفظاً أو ضرباً أو دفعاً.. إلخ، وهذا كان يشكل عقدة لدى هؤلاء، فيصبح المجيء إلى المدرسة أمراً مؤلماً، فضلاً عن الآثار النفسية التي تتراكم، وتؤدي إلى اضطراب النوم، والتقصير الدراسي.
اليوم ومع التطوّر التقني الكبير، ووجود وسائل التواصل بأشكالها كافة، انتقل بعض من هذا «التنمّر» إلى هذا الفضاء الإلكتروني، فصار مشكلة أدّت بكثير من مستخدمي التقنيات الحديثة من حواسيب وهواتف نقّالة وسواهما، إلى الابتعاد كلياً عنها ومقاطعتها، على الرغم من أن كثيراً منها يحوي فوائد معرفية وعلمية، ويسهّل الوصول إليها، وكذلك يسرّع منه.
لكن من أسباب «التنمّر» أيضاً، ولوج الأبناء إلى «الإنترنت» معظم الوقت وبدون توقيتات محددة، واستسهال تكوين الصداقات واستخدام تطبيقات قد تكون مضرّة، أو إدمان الألعاب العنيفة، أو تلك التي تتضمن إيحاءات سلبية، وعدم التواصل الأسري، وتفعيل قنوات الحوار والتصارح بين الآباء والأبناء بشأن السلوكات اليومية.
قيادتنا أدركت مبكراً، خطورة هذا الأمر، وضرورات مكافحته، فخططت السياسات وأصدرت القوانين التي تعاقب على أي سلوكات مضرّة، فكانت سبّاقة في إنشاء دوائر لمكافحة الجريمة الإلكترونية. ووجّهت المؤسسات التعليمية والثقافية والمجتمعية بالحرص على دور المدرسة الطليعي في التوعية المستمرة، وتخصيص برامج ومساقات تعليمية للحدّ من مخاطر التنمّر المدرسي والإلكتروني، ثم الأسرة بكل ما يناط بها من أهمية بالغة لتكميل دور المؤسسة التعليمية في دعم الأبناء والطلبة، والوقوف إلى جانبهم والتواصل معهم. ثم توفير تطبيقات ومنصات للحماية الإلكترونية.
بالوعي العميق، والرؤية الصائبة، والتواصل الإنساني الحقيقي نحل كثيراً من المشكلات، والأسرة أولاً وأخيراً هي المعوّل عليها في ذلك كله.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"