مريم الصادق المهدي ورمزية نهر النيل

00:02 صباحا
قراءة دقيقتين

في نحو ستة أشهر فقط؛ أي منذ فبراير/شباط الماضي عند تسلّمها حقيبة وزارة الخارجية في السودان، استطاعت الدكتورة مريم الصادق المهدي (56 عاماً) أن تكون على مستوى الثقل السياسي والدبلوماسي المستحق لمنصب وزاري سيادي مثل الخارجية؛ بل أكثر من ذلك، تعاملت السيدة التي بدأت حياتها طبيبة لفترة قصيرة، مع ملفات إقليمية ودولية تحتاج أقلّه إلى الخبرة والحنكة اللتين ارتبطتا عادة  في العمل الدبلوماسي  بالرجل، ولكنها مرة ثانية، ستكون على مستوى مهني رفيع جعل من شخصيتها الهادئة الواثقة، جاذباً إعلامياً وثقافياً لكثير من مؤسسات العمل الصحفي والأكاديمي والرسمي، على صعيد عربي وعالمي.
الدكتورة مريم الصادق المهدي التي تركت الطب، وتوجّهت بكليّتها الإرادية والثقافية إلى العمل السياسي؛ بل والعسكري، حيث وصلت إلى رتبة رائد في ما يسمى في السودان جيش الأمّة، بدأت في أقل من نصف عام نحلة دوّارة (إن جازت العبارة) في فضاء دبلوماسي وسياسي أقرب إلى التعقيد منه إلى الشفافية والسهولة: نشاط في مجلس الأمن لعرض موقف بلادها من قضايا داخلية وخارجية عديدة، ثم نشاط موازٍ بين شخصيات دبلوماسية محنكة في هيئة الأمم، ومجموعة الدول الإفريقية، ثم ملف اتفاقية السلام في جنوب السودان، ثم قضايا حقوق الإنسان، ومنظمة «إيجاد»، وديون السودان، وغيرها من ملفات مركبة استطاعت متابعتها بشفافية سياسية لافتة لكثير من الدوائر الدبلوماسية والإعلامية في العالم.
غير أنه ما من متابع لدوران هذه المرأة التي تعود في قوّة شخصيتها إلى مرجعية «كنداكية» أو ملكية (مملكة كوش منذ 40 عاماً قبل الميلاد)، إلا والتفت إلى مهنيتها السياسية الدولية في قضية سدّ النهضة، بخاصة في لقائها دبلوماسياً روسياً متراكم الحنكة والخبرة هو سيرجي لافروف، وزير الخارجية الروسي، وإلى جانب المهنية السياسية التي تعود أيضاً في تكوينها الثقافي إلى الإرث الحزبي لعائلتها ووالدها الصادق المهدي، زعيم حزب الأمة السوداني، فهي في قضية سدّ النهضة كما لو أنها تعاملت أيضاً مع هذا الملف من زاوية إنسانية، أمومية، فكما لو أن هذه «الكنداكة» السيدة والملكة تدافع عن أبناء وبنات بلدها لتحميهم من جائحة العطش، وكما لو تظهر هنا القوة الأمومية، متقدمة على القوة الدبلوماسية؛ لا بل ثمة استعادات ثقافية وميثولوجية عديدة يمكن أن تُبنى على حيوية الدكتورة مريم الصادق المهدي في قضية سدّ النهضة، حين نستعيد أسطورة الفتيات اللواتي كانت تجري التضحية بهن من أجل أن يَستمر خصب النيل، ويتحوّل طمي النهر إلى خير وفير.
رمزية دبلوماسية الدكتورة مريم الصادق المهدي في ملف سدّ النهضة، تُحيل إلى المرأة والماء والنهر، كما لو أن السياسة في هذه الحالة المعقّدة، تتحول إلى فعل ثقافي تُنتجه وتؤنسنه المرأة الأم، والمرأة الوزيرة.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"