هل تسمح لي سيدي أن أفتح النافذة؟

00:09 صباحا
قراءة دقيقتين

كم هي الشاعرة الإيرانية ناهيد كبيري على درجة عالية من النعومة والرقة والخفّة، وهي تكتب شعراً فائضاً بفكرة الرفض. الرفض بلا شعارات سياسية، وبلا بلاغة خطابية أيديولوجية، وبلا استعلاء ثقافي على القارئ، وأخيراً  وهذا هو الأجمل  بلا غرور.
للشاعرة ناهيد كبيري التي تصرّح بلا عُقد وبلا تحفّظات بتأثرها بالشاعرة فروغ فرخ زاد، وبالشاعر أحمد شاملو، قصيدة صغيرة ناعمة بعنوان «هل تسمح لي سيّدي؟»، هي قصيدة رفض بكل عمق وبكل بساطة، وبعيداً عن كلام النقد الأدبي الكبير والرنّان، هي قصيدة إنسانية ضد فكرة الضعف البشري، وضد قبول الكائن الآدمي بأية عبودية، وأي استبداد، على الرغم من لغة الرجاء التي تقوم عليها القصيدة، فهي تقول منذ البداية: «هل تسمح لي سيدي؟»، فإذا لم يسمح هذا السيد فهل تكسر قصيدتها وتصمت وتنسحب من القصة كلها؟. لا. سواء أَسمَح السيد أم لم يسمح، فإنها ستمضي في منوالها الذي اختارته: الرفض بنعومة، ولكن بشيء مُضمر من الخشونة. سواء أسمح السيد أم لم يسمح.
تطلب ناهيد كبيري برجاء من هذا السيد أن تفتح النافذة على ما سمّته «مشاعر النور»، وترجوه أن يسمح لها بتحقيق ذاتها في يوم واحد من الثلاثمئة والخمسة والستين يوماً. وكيف تحقق ذاتها هذه المرأة التي قد تكون في القصيدة هي ناهيد كبيري، وقد لا تكون هي ناهيد كبيري. قد تكون امرأة مختلفة تماماً عن الشاعرة. امرأة بِ«سيّد» (إن جازت العبارة)، فيما الشاعرة بلا «سيّد». بلا تلك العمامة والجُبّة والعصا والجزرة. بلا تلك السلطة البطريركية المرجعية، وبلا هذا الرداء الأسود الثقيل الذي يحجب الشمس عن البشر والنباتات والحيوان.
تطلب المرأة من «السيّد» مرة ثانية برجاء، أن تتوحّد مع الريح والطائر والسمكة، أن تمتزج مع زخات المطر.. أن تهجر الإبرة والخيط، وتطلب من «السيّد» أن يأذن لها بتحية جارها، وأن يأذن لها هذا «السيد» المرجعي الكهنوتي بأن تنسج شالاً من بكاء الغروب لعابر سبيل تقول إنها لا تعرفه، وبشكل مباشر هذه المرة تقول ل«السيد»: هل تسمح لي أن أغادر هذه البلاد؟ بل تغادر من دون أن تستأذنه، وهنا تحديداً يكمن ذلك الجوهر الإنساني العظيم «من دون استئذان».
تطلب الشاعرة من «السيّد» أن ترحل في ما سمّته محراب الوردة الحمراء، وأخيراً وبكثير من النعومة تقول ل«السيّد» أن يأذن لها بالاستهزاء بكل شيء، وأن تقول له إن قانونه خاطئ، وإن هذه العدالة مرفوضة. فقط، نقطة وتنتهي القصيدة، وينتهي الرجاء.
عُد من فضلك إلى قراءة صوتين إيرانيين هما من صميم هذه الطبيعة الشعرية لناهيد كبيري: فروغ فرخ زاد، وأحمد شاملو، وهل تسمح لي يا «سيدي» أن نقرأ شعراً أبيض شمسياً تحت هذا العتم الليلي المديد، وأن نحقق ذواتنا  على الأقل  في يوم واحد من هذه الأيام؟
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"