قول الشارع التونسي

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

ليس لدى رئيس الجمهورية التونسيّة، قيس سعيّد، حزب، ليحثّ أعضاءه على الخروج إلى الشارع، مؤيدين للقرارات المثيرة للجدل التي أعلن عنها، مؤخراً، ومع ذلك خرج الناس بشكل عفوي إلى الشارع الرئيسي في العاصمة؛ شارع الحبيب بورقيبة، وإلى شوارع المدن الأخرى في تونس، فيما أشارت مواقع التواصل الاجتماعي إلى زغاريد انطلقت من البيوت في مختلف المدن، تعبيراً عن الابتهاج بقرارات الرئيس التي شملت، فيما شملت، تجميد أعمال البرلمان الذي يرأسه زعيم حركة «النهضة» راشد الغنوشي، وإقالة حكومة هشام المشيشي المدعومة، هي الأخرى، من «النهضة»، وتولي رئيس الجمهورية رئاسة السلطة التنفيذية.
فيما لا يجد رئيس الجمهورية مدعاة لأن يدعو الناس للخروج إلى الشوارع دعماً له، فإن زعيم «النهضة» دعا من أمام بوابة البرلمان التي أغلقت في وجهه أعضاء حزبه وأنصاره إلى الخروج، احتجاجاً على قرارات الرئيس.
وفي هذا يكمن الفرق الكبير بين موقع وموقف الرجلين. يبدو الأول مطمئناً إلى تأييد المواطن التونسي العادي، المقهور، والمغلوب على أمره، والضائق ذرعاً بالخراب والفساد، فيما الثاني «يستنجد» بمناصريه، وهو العارف أن حركته باتت منبوذة لدى قطاعات واسعة من الشعب، بدليل أنّ مقراتها في أكثر من ولاية اقتحمت من المحتجين الغاضبين على ما آلت إليه أوضاع البلاد، خاصة مع تفاقم الأزمة الصحيّة، بسبب تفشي وباء «كورونا»، وعشوائية السياسات الحكومية المتبعة في معالجتها.
حتى من لديهم تحفظات ذات طبيعة قانونية أو دستورية على قرارات رئيس الجمهورية من القوى السياسية والمجتمعية التونسية، لن يصطفوا مع «حركة النهضة»، التي باتت معزولة سياسياً إلا من بعض ذيولها، الذين لا يشكلون وزناً يعتدّ به، ويستمدون قوتهم من وجود «النهضة» في الحكم والبرلمان.
بعض مثقفي تونس قالوا: إن «أهمّ قرارات سعيّد تولّيه رئاسة النيابة العمومية، ورفع الحصانة عن البرلمانيّين؛ لأن القضاء لم يقم بدوره منذ عشر سنوات في محاسبة الفاسدين والمجرمين القتلة».
ما جرى ويجري في تونس ليس سوى نتيجة لما آلت إليه أوضاع البلد، بسبب السياسات الخرقاء التي اتبعت في السنوات المنقضيّة، والتغلغل والتوغل «الإخواني» في مؤسسات الدولة وعليها، بسياسات لا تتسق وما بلغه المجتمع التونسي من تحديث ورقي، وما هي عليه مؤسسات مجتمعه المدني من تأثير وقوّة وحضور، حتى لو ظهر لأول وهلة أن ذلك توارى للخلف.
 وأملنا أن تجتاز تونس الظرف الصعب الذي تمرّ به، وتُفشل ما يراد لها أن تنزلق إليه من فوضى، وتظلّ منارة للحداثة والتقدّم والفكر النيّر والكرامة، يشعّ نورها في محيطها القريب والأبعد، كما عهدناها.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"