البلد الذي يخلب اللب

00:28 صباحا
قراءة دقيقتين

الحديث لن يكون عن بلدٍ بعينه، فلكل امرئ بلد خلب لبه. قد يكون هذا البلد هو الوطن نفسه الذي فيه ولدنا ونشأنا، وقد يكون بلداً عشنا فيه فترة من عمرنا، أو بلداً أحببناه فبات مقصداً لنا بين الحين والحين، لأننا فيه نجد ما نحب أو من نحب. ولو كنتُ من منظمي المسابقات الأدبية لاقترحت مسابقة يكتب المشاركون فيها عن «البلد الذي خلب لبهم»، بحيث تعطى الجائزة، أو الجوائز، فيها لمن كانت كتابته أجمل.
وأحسب أنه قد حضرت في بال كل واحد منكم الآن صورة البلد الذي له في قلوبكم ونفوسكم موقع، فأطلقوا لعنانكم المخيلة، ولا بأس لو كتبتم شيئاً من ذلك أو عنه.
كي لا نستطرد في هذا أكثر مما هو ضروري عليّ القول: إن عنوان المقال والتالي من الكلام مستوحى من عبارة قالها الأديب الكبير يوسف إدريس في واحدٍ من مقالاته التي كان ينشرها في الصحف المصرية، ثم جمعت، أو جمع الكثير منها في كتب أصدرتها الهيئة العامة للكتاب، والمقال الذي نحن بصدده حواه كتاب لإدريس اسمه «مدينة الملائكة».
لا علاقة للمقال بأدب الرحلات، وإنما هو إلى السياسة والعلاقات الدولية أقرب، لأن إدريس اختار فيه الحديث عما وصفه ب«عصر آسيا»، والمقال كتب قبل عقود من الآن، يوم لم تكن الصين قد بلغت ما بلغته من قوّة ونفوذ وتأثير، بحيث باتت تؤرق الغرب المتقدّم وقوّته الأكبر: الولايات المتحدة الأمريكية.
ولأن الحديث عن آسيا، فإن الكاتب استهله بالإشارة إلى البلدان التي خلبت لبه، فاختار من كل بلد ميزة منحتها هذا الامتياز، فقال: إن الهند خلبت لبه في الحضارة والشعب، وفي البطولات خلبت فيتنام لبه، وفي الترفيه والمرح تايلاند وهونج كونج، وفي «الطموح المخيف» اليابان، فلكل بلد من هذه البلدان نموذجها، حتى لتحسب أن الحقيقة الكبرى باتت هناك.
حين قال إدريس هذا الكلام كان العالم منقسماً إلى معسكرين على خصومة أيديولوجية حادة، لكنه توقع أن الأمر لن يكون كذلك في المستقبل، وعلى سبيل تقريب الفكرة أوضح أن آسيا الرأسمالية، ممثلة في اليابان خاصة، وآسيا الاشتراكية، ممثلة في الصين خاصة، بدأتا في العودة إلى الوطنية بعد أن استنزفتا ما استطاعتا استنزافه من رأس المال الأمريكي.
«آسيا الجديدة» التي رأى إدريس أن عصرها بات قادماً، أخذت من الغرب كل علمه وأسراره الرأسمالية، ومن الشرق كل خلاصة تجاربه الاشتراكية، وسيصبح للقارة وجود لم يكن لها سابقاً، وستصل إلى آفاق لا يمكن لأحد أن يتصورها.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"