عادي

حضور الأطفال الأصغر سناً في المدارس.. ضرورة للنمو

23:49 مساء
قراءة 3 دقائق

ماثيو برفيلد
من أروع التجارب التي مررتُ بها هي تمضية الوقت مع طلاب الروضة والمراحل التأسيسية، ومشاهدة متعتهم وحماستهم للتعلم أثناء اللعب بحرية مع بعضهم البعض. وخلال سنواتي الطويلة في قطاع التعليم تسنّت لي العديد من الفرص لأشهد عن كثب روعة ما يمكن تحقيقه عندما يلعب الأطفال معاً في شتى أنحاء العالم، كما كان لي شرف العمل مع عدد من المعلمين المتميزين والاستماع إلى تجاربهم وخبراتهم وشغفهم بالتعليم في السنوات المبكرة.

ومنذ بداية الجائحة لمسنا رغبة متزايدة لدى أولياء الأمور في تعليم أطفالهم عن بعد، وهذه ردّة فعل مشروعة نظراً لتخوّفهم من إصابة أطفالهم بالفيروس وسعيهم للحفاظ على سلامة أفراد الأسرة الأكثر عرضة للخطر. كذلك علمتنا الجائحة أن هناك ثمناً لهذه التغييرات؛ لأننا ببساطة لا نستطيع استبدال كل الأنشطة التي تقام داخل المدارس بأخرى عبر الإنترنت.

عادة يكون الأطفال الأكبر سناً، أكثر قدرة على التأقلم مع التعلم عن بعد، نظراً لقدرتهم على العمل باستقلالية، ولكن لا يمكننا حصر الفوائد المترتبة على حضور الأطفال الأصغر سناً في المدرسة والتعلم بشكل فردي وإثراء تجربتهم، خصوصاً في هذه المرحلة المهمة من نموهم. فهناك العديد من الأبحاث والتجارب التي تؤكد تحسّن فرص نجاح الأطفال في المراحل التالية من حياتهم، بفضل التعليم المبكر السليم.

ويعتبر تمكين الأطفال من استخدام مخيلاتهم والاختلاط بالآخرين اجتماعياً، أمراً في غاية الأهمية لكي يصبحوا أفراداً مبدعين ومتعددي المواهب. وحين يلعب الأطفال معاً، يتعلمون من بعضهم بعضاً، ويطوّرون مجموعة من المهارات الاجتماعية والعاطفية، بما فيها الصبر والانضباط وحل المشاكل واتخاذ القرارات والعطاء. وعندما يتعلمون كيفية التأقلم مع الخلافات وضبط مشاعرهم وسلوكهم، سيدركون أهمية احترام الآخرين وستزداد ثقتهم بأنفسهم، كما سيدركون قدراتهم ويوظفونها بشكل مستقل.

أخبرني أحد زملائي في «جيمس للتعليم» بقصة مذهلة تُظهر المهارات التي يمكن للأطفال أن يكتسبوها حين يتعلمون ويلعبون معاً في مكان واحد، فقد كانت مجموعة من الأطفال في سن أربع وخمس سنوات، تشارك في مشروع حول انسياب الهواء، يهدف إلى دراسة الأدوات المخصصة للتلاعب بها وكيفية استخدامها، وقدم لهم المعلم فراشاً هوائياً قديماً مثقوباً، حيث عملوا على نفخه. وفي نهاية اليوم لاحظ الأطفال أن الفراش تقلص من جديد، فانغمسوا على الفور في محاولة نفخه، وإيجاد السبيل الأفضل لذلك.

وحين حضر الطلاب في اليوم التالي إلى المدرسة، فوجئوا بأنهم عادوا إلى نقطة الصفر مما أصابهم بإحباط كبير، لكنهم لم يستسلموا وبدؤوا بالبحث عن الثقب باستخدام عدسات مكبّرة وآذانهم وحواسهم وضمادات طبية وشريط لاصق وعجين الورق، وغيرها من المحاولات إلى أن وجدوه. وعلى الرغم من تسببهم بثقوب أخرى خلال عملية الاستكشاف والتجربة، فقد استطاعوا أن يتعلموا العديد من المهارات وهي كيفية استخدام الحواس والإبداع، وحل المشاكل والتعاون وتوزيع الأدوار والتواصل الفعال والبحث والمرونة، مما أسهم في الارتقاء بتجربتهم التعليمية.

وأظهرت الدراسات مدى تأثير الجائحة على الأطفال الأصغر سناً الذين اضطروا إلى البقاء في المنزل، حيث يتوقع أن يكون الأطفال في سن الخامسة متمكنين من نحو 2500 كلمة، ووجودهم في المدرسة يساعدهم على تعلم مفردات جديدة من خلال الاختلاط بالآخرين والتواصل واللعب معهم، أو تناول الطعام أو الاستماع للقصص.

لذا نشجع المزيد من العائلات على إعادة أطفالها إلى الرياض والمدارس التي أثبتت اتخاذ إجراءات وقائية صارمة للوقائية، كما نشدد على أن دور المدرسة لا يقتصر على توفير المواد الدراسية؛ بل يتعدى ذلك بكثير إلى خلق بيئة تعليمية شاملة تشجع الأطفال على الفضول والاستكشاف والتقصي والتفاعل الاجتماعي، بإشراف مجموعة من المعلمين واسعي الخبرة الذين يعملون بجدّ لتعزيز علاقتهم مع الطلاب وتدريبهم لصقل مهاراتهم وسلوكياتهم، وتحفيزهم على التفكير وتوسيع مهاراتهم اللغوية وتنمية معارفهم ودعمهم ليصبحوا أفراداً فاعلين في المجتمع.
نائب الرئيس لشؤون التعليم
(مجموعة جيمس للتعليم)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"