عادي
إغراق واضح في النزعة الذاتية

الفردية في الفن.. العمل الجماعي مرفوض

22:43 مساء
قراءة 4 دقائق
عمل للفنان محمد يوسف

الشارقة: «الخليج»

بات الفن التشكيلي في الإمارات، يميل إلى النزعة الفردية، بعد أن كانت ملامحه مؤطرة بفعل جماعي مؤثر، قاد قبل نحو أربعين عاماً إلى تأسيس حركة فنية لافتة في تأثيراتها، ومحاولة الاستفادة منها من الأجيال الفنية اللاحقة.

ما هي أبرز المتغيرات، وأهم الأسباب التي أدت إلى هذه النزعة؟، هل يعود ذلك لأسباب بيئية، أم لأسباب أخرى، لها علاقة مباشرة بحركة الفنون العالمية، التي نشأت وتطورت وتبلورت ملامحها في الغرب؟.

أسئلة كثيرة تخطر في البال، ونحن نتحدث عن واقع حركة التشكيل المحلي، التي حققت ظهوراً متميزاً يمكن التأريخ له منذ مطلع الثمانينات، وهي الفترة التي شهدت ولادة جمعية الإمارات للفنون التشكيلية في الشارقة.

والشيء بالشيء يذكر، فإن عودة سريعة لتاريخ الفنون تؤكد التوجه نحو النزعة الفردية منذ عصر النهضة، وظهور الكلاسيكية وما تبعها من تيارات ومدارس فنية، منذ مطلع القرن التاسع عشر كالرومانسية والطبيعية والواقعية، وما تبعها في القرن العشرين من التكعيبية والوحشية والمستقبلية، مروراً بالحرب العالمية الثانية وبزوغ العولمة، التي لا يزال العالم يشهد تأثيراتها، كل ذلك أدى إلى أن تغوص فنون العالم في الذاتية، وتطرح أسئلتها الخاصة حول الحروب والبيئة والثقافة، وأخيراً وليس آخراً، ظهور (جائحة كورونا) التي ستؤطر قيمها الفنية والبصرية على نحو لم نكتشفه بعد.

زمن قياسي

في زمن قياسي مقارنة ببعض الدول في المنطقة، ومن خلال جمعية الإمارات للفنون التشكيلية، تكونت قاعدة فنية يقودها شباب متعلم وأكاديمي، بالتعاون مع فنانين من مختلف الدول العربية، هذه القاعدة نهضت بالتشكيل المحلي وأسست لاتجاهات ورؤى جديدة غير مألوفة، نقلت حساسياتها الفنية بأساليب تواكب ما يجري في العالم.

وسنقوم باختيار خمسة نماذج فاعلة في المشهد التشكيلي المحلي، لها بصمة واضحة في هذا المسار وهي نماذج مختارة على سبيل المثال، وليس الحصر، فالتجربة الفنية المحلية تطورت، ولا تزال على تماس مع ما يدور من حراك فني في العالم، حيث شكلت هذه النماذج خصوصية محلية تقف على تماس مع المشهد التشكيلي العالمي، ومن أبرزها: عبد القادر الريس، د. نجاة مكي، د. محمد يوسف، عبد الرحيم سالم، وفاطمة لوتاه.. وكل واحد من هذه النماذج ارتبط بخصوصية لها ما بعدها في التشكيل الإماراتي، فحين نذكر عبد القادر الريس نتذكر حرفية استخدام اللونين المائي والزيتي في لوحات رسخته اسماً رائداً في الانطباعية، أما نجاة مكي فرسمت الألوان، ذات النكهة الشعبية، بهوية أنثوية، وجاء محمد يوسف ليتحف المشهد بمنحوتات غير مسبوقة في التجربة المحلية اختارها بناء على فلسفة خاصة من قطع الأشجار والأخشاب والأغصان، كما اشتغل عبد الرحيم سالم على تجريد اللون بحرفية فاجأت الجميع، ليس ذلك فحسب، فهو أول من وظف الأسطورة المحلية من خلال «مهيرة» في مشروع فني مغاير، ولا يزال يطوره، وينحت معماره الفني والفكري في أعمال يصدرها تباعاً، أما فاطمة لوتاه فهي أول من استخدمت التراث التراث الصوفي في أعمال جالت بها بقاع العالم، وقد كان لرشاقة اللون الأبيض وتصميم الفضاء المعماري في أعمالها، كما وصف: «مزيج من صمت المتصوفة وجنون الفنانين الكبار ورقة الحالمين بإنسانية أكثر رحابة وعدلاً».

هذه التجارب المؤسسة في الساحة المحلية الإماراتية، لم تجد من يقترب منها أو يحاكيها، من قبل الأجيال الفنية اللاحقة.. وهي ظاهرة محيرة، خاصة في ضوء بروز تجارب فنية جديدة، نزعت في معظمها نحو أعمال الفيديو والتراكيب والمفاهيمية، التي لم تجد إقبالاً كبيراً من قبل النقاد على معاينتها، وهو ما يطرح سؤالاً يتعلق بلماذا لم تجد هذه التجارب من يتابعها بالتحليل والتقويم؟.

انتقالات

في سبتمبر 2019 استضاف المجمع الثقافي التشكيلية د. نجاة مكي في حوار حول تجربتها الفنية ومصادر إلهامها، وذلك بمشاركة د.عمر عبد العزيز، وطلال معلا

ولعل أبرز ما قيل في تجربتها، هو أنها حققت قفزة وتطورات وانتقالات، نتيجة العصر الذي نعيشه، فتجربتها ناجحة، وهي ابنة العصر الذي تعيش فيه، كما أن استخدامها للألوان الفسفورية في لوحاتها هو إعلان عن قضايا مسكوت عنها، وهي تراوح بين التجريدية التعبيرية، كما أن قدرتها على خلق توازن في اللوحة، جعل أعمالها تشد المتلقي من كافة الفئات العمرية.. وقيل أيضا إن المرأة هي الأيقونة الثابتة في معظم أعمال مكي، التي استطاعت أن تستلهم من الطبيعة العلاقة الجميلة بين الألوان، كما أن التكوين لديها مفتوح ويعتمد على انسيابات لونية بطريقة ناعمة.

أما محمد يوسف فهو يرى أن الكائنات موجودة على نحو يكمل بعضها بعضا، وهو يتفاعل مع مكونات الطبيعة، يتكلم معها، ويرقص معها، ويحس بوجعها وآلامها، والنحت بخاصة في تجربة يوسف يقوم على فلسفة البساطة، ومفهوم كسر الحواجز، وهو ينسجم مع فهمه للتشكيل بوجه عام، كما يتناغم مع فهمه للفنون بعامة، كالمسرح الذي يمارسه إلى جانب التشكيل.

عبد القادر الريس، اسم اشتهر بلوحاته التي تجسد التراث الإماراتي، وهو أبدع في رسم الأبواب والمشاهد الطبيعية، ثم انتقل ليجمع ما بين الخط العربي والتجريد في أعمال معاصرة، كما أن اللوحة في أعماله ممهورة ببراعة حاذقة في استخدام اللون تمنح أعماله سحرية خاصة.

أما عبد الرحيم سالم، فهو من الفنانين البارعين، في استخدام الفرشاة، ما يمنحه فرصة أكبر للبوح، وهو يضع عصارة روحه في اللوحة التي ينجزها، مقتنعاً بأنها قد استوفت شروط فكرتها، تلك التي راودته منذ بدء اشتغاله عليها، بناء على طرح فكري وثقافي واجتماعي وهو يرى دائماً أن كل تجربة جديدة، على صعيد اللوحة الفنية، يجب أن تخرج مستوفية لشروطها الفنية، وأن تضيف إلى ما سبق وأنجز، وهذا ما يؤطر مشروعه الفني الذي الذي يواصله منذ زمن بعيد.

تجريد اللون

في تجربة فاطمة لوتاه يمكن التوقف عند ملمح فني صوفي غير مطروق، وأعمالها في هذا الميدان، تكشف عن شفافية خاصة، بنزعة روحية حيث نشطت منذ منتصف الثمانينات حتى مطلع التسعينات في تقديم أعمال تتخذ من المرأة موضوعاً لها، وبعدها بنحو عشر سنوات، أنجزت عدة أعمال ما بين الواقعية والتجريدية التعبيرية، وغيرها.

في غمار التجريد، كان اللون عنواناً كبيراً بالنسبة لها، ومدخلاً لفلسفة خاصة بها نزعت نحو الصوفية، اللون هنا، هو «الضوء» وهو «النور» هذه الدلالات النورانية فتحت حواراً بينها وبين لوحتها من جهة والمتلقي من جهة أخرى.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"