عادي
النشأة وسط أسرة مدخنة من أسبابه

«الكيف الإلكتروني».. «سموم» تستهوي الشباب بقوالب أنيقة

01:04 صباحا
قراءة 7 دقائق

تحقيق: أمير السني
يلجأ عدد من الشباب والمراهقين إلى استخدام السجائر الإلكترونية، ليخففوا عن أنفسهم مخاطر التدخين العادية، وأصبح الكثير منهم يتجهون نحوها مطمئنين إليها ويتعاملون معها كأنها البديل المناسب متناسين درجة ضررها وسميتها على الجسم، فيما يعتقد آخرون أن تلك السجائر يمكن أن تساعدهم في الإقلاع عن التدخين، لأنها السلم الأخير الذي ينتشلهم من إدمانه.

وينتشر التدخين وسط تلك الفئات الصغيرة في المجتمع بكثافة، لأسباب متعددة أبرزها قوالبها الجميلة وأناقتها، حيث وصفها مختصون في المجال الاجتماعي، بالمخيفة، لأن هنالك أسباباً اجتماعية وعوامل نفسية وراء الانتشار، ما يتطلب ضرورة التدخل من جميع الجهات المجتمعية والرسمية للتقليل من ذلك الانتشار.

أجرى 5 طلاب من السنة الثالثة في كلية الطب البشري، في جامعة الخليج الطبية دراسة عن التغيرات في سلوك التدخين أثناء جائحة «كورونا»، وتضمنت إيجاد نسبة المدخنين في دولة الإمارات، ومعرفة الرابط بين التدخين والعوامل الديمغرافية الاجتماعية (العمر، الجنس، العرق) وشمل البحث 463 من عمر 20 عاماً فما فوق، ويتكون فريق البحث من الطلاب إبراهيم الدجيلي، ومحمد الشققي، وسنا الكرم، وضحى علي، وعبد الرحمن بلفقيه.

ويوضح الطالب إبراهيم الدجيلي أن نتائج البحث أظهرت أن نسبة مستخدمي السجائر الإلكترونية أعلى عند الذكور 71%، مقارنة بالإناث 29%، وأكثر فئة عمرية كانت 20 - 24 سنة، بنسبة 76%، و32% يعانون أمراضاً مزمنة.

وأظهرت النتائج أثناء جائحة «كورونا» أن 79% من المدخنين غيروا عاداتهم، و42% قللوا من التدخين بجميع أنواعه، 28% أقلعوا عن التدخين بجميع أنواعه، 28% أكثروا من التدخين بجميع أنواعه، و15% غيروا أسلوب تدخينهم و31% منهم غيروا إلى السجائر الإلكترونية، ونسبة المدخنين كانت 28% (129 شخصاً). وكانت أعلى نسبة للمدخنين ضمن الفئة العمرية 20 - 24 عاماً من الذكور، وأعلى المدخنين من حيث العرق «الشرق الأوسطيون»، وأسباب التدخين هي التنشئة وسط أسرة مدخنة، وكانت للسجائر الحصة الكبرى بنسبة 69.8%، تلتها السجائر الالكترونية 48.8%، ثم النرجيلة 43.4% والمدواخ 25.6%.

بديل مجهول

1

وتوضح الدكتورة شذى الشربتي، رئيسة فرع طب المجتمع في كلية الطب، جامعة الخليج الطبية، أن السجائر الإلكترونية ليست بديلاً آمناً للاعتيادية لأسباب عدة، من بينها احتواؤها على نسب مختلفة من مادة النيكوتين المسببة للإدمان، فضلاً عن مواد سمية ومسرطنة، كما ورد في تقارير منظمة الصحة العالمية في موقعها الإلكتروني، وفي تقارير مركز السيطرة على الأمراض (الأمريكي)، الذي حذر من خطورة هذا النوع من التدخين، لكونه يؤدي إلى توليد جزيئات متناهية الصغر، يمكن استنشاقها في عمق الرئتين، فضلاً عن احتواء بعض الأنواع على مواد معطرة، التي أثبتت التحاليل المخبرية خطورتها على الجهاز التنفسي، كما تضم نسباً متفاوتة من المعادن الثقيلة مثل النيكل والقصدير والرصاص.

وتشير إلى أنه يمكن للهباء الجوي الذي يستنشقه المستخدمون ويزفرونه من السجائر الإلكترونية، أن يعرضهم والمحيطين بهم، للمواد الضارة. كما يمكن أن تساعد الأبحاث الإضافية في فهم الآثار الصحية الطويلة المدى للسجائر الإلكترونية، ويضر تدخين السجائر بكل أعضاء الجسم تقريباً، ويسبب الكثير من الأمراض، ويقلل صحة المدخنين بشكل عام. وتشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن التبغ يقتل ما يصل إلى نحو نصف مستخدميه، وجميع أشكال التبغ ضارة، ولا يوجد مستوى آمن.

ولدى المدخنين مخاطر متعددة للأمراض، مثل الإصابة بمختلف أنواع السرطانات، خاصة سرطان الرئة، وهم أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب والسكتات الدماغية، وانتفاخ الرئة، وكثير من الأمراض الأخرى.

وتعاني النساء مخاطر صحية إضافية، خاصة أثناء الحمل، لما له من تأثيرات طويلة المدى في الطفل بعد الولادة.

ويسبب التدخين ضعفاً في الجهاز المناعي وهذا شيء مهم، خاصة مع تفشي وباء «كورونا».

استخدام مفرط

1

وتقول الدكتورة رانيا زعرور، أستاذة مساعدة علم الأحياء الخلوي في جامعة الخليج الطبية، إن الكثير من الدراسات المخبرية، أشارت إلى التأثير السام للسجائر الإلكترونية على الخلايا، وعلى تلف الحمض النووي، فضلاً عن التأثير في الإجهاد التأكسدي المكثف، وهناك بعض الأدلة التي تشير إلى الدور المحتمل المسرطن للسجائر الإلكترونية، خاصة دورها في سرطانات الرأس والرقبة، وخطر الإصابة بالسرطان المرتبط باستخدام السجائر الإلكترونية له طابع استباقي إلى حد ما، ولم يثبت بعد، عبر دراسات وبائية واسعة النطاق، فالأدلة العلمية المتعلقة بآثار السجائر الإلكترونية في صحة الإنسان محدودة.

في اختبارات على الفئران، أدى تعرض الأمهات لرذاذ السجائر الإلكترونية إلى تغيرات إدراكية وجينية في النسل، ويشير هذا إلى أن استخدام السجائر الإلكترونية أثناء الحمل قد تكون له عواقب عصبية غير محددة حتى الآن، على الأطفال الحديثي الولادة، وفي بعض أنواع السجائر الإلكترونية، تركيزات النيكوتين وبعض كيماويات النكهة، (مثل إيثيل مالتول) عالية بما يكفي لتكون سامة للخلايا في التجارب المخبرية، ما يؤكد الحاجة إلى تحديد ما إذا كانت منتجات «جوول» ستؤدي إلى آثار صحية ضارة، مع الاستخدام المزمن.

وتضيف الدكتورة رانيا، أن الكثير من الدراسات تحقق خلالها من التركيب الكيميائي لدخان سجائر التبغ وعزل أكثر من 5 آلاف مركب كيميائي نشط بيولوجياً، بما في ذلك أكثر من 60 مادة مسرطنة. كما أظهر تحليل دخان الشيشة أنه يحتوي على تركيز عال من المواد السامة، بما فيها 27 مادة مسرطنة معروفة، أو قد تكون مسرطنة، يعتقد أنها تسبب التعود، وأمراض القلب، وأمراض الرئة، والسرطان.

وهناك حاجة ماسة إلى إجراء أبحاث على السموم الكيميائية في السجائر الإلكترونية، لفهم تركيبة السوائل الإلكترونية، وتصميم الأجهزة المختلفة وكيفية تسببها بالتسمم بشكل أفضل. وأظهرت الدراسات أن رذاذ السجائر الإلكترونية يحوي بعض المكونات الرئيسية المتعلقة بالتبغ، بمستويات أقل بكثير من دخان سجائر التبغ، اذ إن الإلكترونية لا تتضمن تبغاً ولا عملية احتراق؛ لذلك، قد يتجنّب مستخدمها مواد كيميائية سامة ضارة توجد عادة في دخان سجائر التبغ. فاستخدام السجائر الإلكترونية يؤدي إلى نتائج أفضل، عند مقارنته باستخدام سجائر التبغ، أو الاستخدام المزدوج لسجائر التبغ والسجائر الإلكترونية، ولكن استخدام الإلكترونية يؤدي إلى نتائج أسوأ من عدمه.

تأثيرات مباشرة

1

وتبين همسة يونس، المستشارة التربوية، والمرشدة الأسرية، الأثر الاجتماعي لدى المدخنين.. موضحة أن ارتفاع سقف توقعات الأهل والمدرسة والمجتمع تجاه المراهق وحجم المسؤوليات المطلوبة منه، قد يعرضه أحياناً للوقوع في فخ الإحباط والسلبية والشعور بالعجز والفشل، ما قد يجره إلى حالات من الاكتئاب، أن لم يحقق تلك التوقعات، وذلك يعدّ سبباً مهماً من أسباب لجوء المراهق إلى التدخين.

وغالباً ما يكون التصادم سيد الموقف، وإن لم يحدث مباشرة فإنه قد يتدرج من مناوشات مبطّنة تعبّر عن غضب الوالدين وعدم تقبلهما الفكرة، وتكون محاولاتهما لتفهّم المراهق، وفتح حوار بنّاء معه غير حقيقية، ليصل الوالدان إلى مرحلة الانفجار، لعدم امتلاكهما الصبر الكافي لتدريب الابن المدخن على الاقتناع بأن التدخين لن يساعده في حل مشكلاته، ولن يخفف ضغوطه النفسية، بل يكون كل تركيز الأهل على ضرورة الإقلاع عن التدخين.

وترى أن للأصدقاء أثراً كبيراً في لجوء المراهق إلى التدخين، كما أن وجود قدوة سلبية مدخنة في الأسرة يسهم في تعزيز هذه الفكرة لدى الأبناء، ودفعهم إلى المحاكاة والتقليد غير الإرادي.

وتكمن المشكلة الحقيقية هنا في كيفية التعامل مع فكرة تدخين الأبناء، إذ إن عدم تفهم الأهل الضغوط التي دفعت الابن إلى التدخين، يؤدي إلى التعامل الخطأ مع الموقف، ما يترتب عليه تصادمات تزعزع العلاقة بين الابن والوالدين، وأن تفهم أسباب لجوء المراهق إلى التدخين وتقبل هذه الأسباب، لا يعني قبول سلوك التدخين وتشجيعه، إنما يكون التقبل من أجل الوقوف على الأسباب الحقيقية الكامنة خلف اللجوء إلى هذا السلوك، والعمل على معالجتها بشكل سليم.

ومن الضروري أن يعي الوالدان حجم الضغوط التي يتعرض لها الأبناء في المراهقة، إذ يتعرض المراهق لضغوط من المدرسة، وما عليه من مسؤوليات فيها، يضاف إلى ذلك ما يتوقعه منه الأهل بما أنه تخطى مرحلة الطفولة، هذا إلى جانب ضغوط جماعة الأصدقاء ومحاولاتهم المستمرة لتشجيع المراهق على مجاراتهم في كل السلوكات التي يمارسونها، وإلا قد يتعرض للنبذ أو التنمّر والاتهام بانه مازال طفلاً.

كما يقع المراهق تحت وطأة ضغوط النمو الجنسي في هذه المرحلة، وما يترتب عليه من طاقة جنسية مكبوتة، قد تدفع المراهق إلى سلوكات سلبية، لتفريغ هذه الطاقة إن لم يوجّه المراهق ويتابع لاستثمار طاقاته إيجابياً بما ينمي مهاراته ويكسبه خبرات إيجابية جديدة تسهم بشكل فعال في بناء شخصيته وصقلها. فضلاً عن ذلك تشكل وسائل الإعلام ومواقع التواصل عامل ضغط كبيراً جداً، فيكون من الصعب على المراهق أن يقاوم المغريات التي يتعرض لها.

حلول استباقية

وتوضح المستشارة همسة أنه كلما تفهم الأهل خصائص مرحلة المراهقة، وما يتعرض له المراهق من ضغوط نفسية، تمكنوا من تأسيس قاعدة قوية من الثقة والتفاهم المبني على الحوار الإيجابي معه، فالتنشيئة الأسرية والاجتماعية الإيجابية تعزز لدى الاأسرة أدواتها التربوية السليمة، وترسخ أسس العلاقة بين الأهل والأبناء منذ الطفولة، إذ إن التنشئة التي يمر بها الأبناء عملية تراكمية؛ فمرحلة المراهقة تتأثر بشكل كبير وعميق بأساليب التنشئة الوالدية في مرحلة الطفولة، كما تشكل البيئة المحيطة عاملاً مهماً في بناء شخصية المراهق.

وأفضل وسيلة للتعامل مع مشكلة التدخين، استثمار الحوار البنّاء مع المراهق، وتعزيز حوار العقل والمنطق، بحيث يركّز على مضار التدخين، فضلاً عن تقديم القدوة الإيجابية والوقوف على الحالة النفسية للمراهق والتعرف إلى الضغوط التي يعانيها، وعلى الأهل أن يؤكدوا باستمرار تفهمهم لمشاعر ابنهم، وأنهم مستعدون للوقوف إلى جانبه ومساندته للتخلص من هذه العادة السلبية بالتدريج. فالرفض السلبي يقود المراهق إلى العناد والجدل والتصادم، أو إلى تبني سلوكات سلبية أخرى، كالسرقة والعنف للحصول على ما يريد.

وتعزيز ثقة المراهق بنفسه عبر تدريبه منذ الطفولة على استثمار وقت الفراغ بطريقة إيجابية يكسبه مهارات التعامل الإيجابي مع الضغوط التي يتعرض لها في مرحلة المراهقة، ويسهل آلية الحوار معه، ما يساعد على تجنيبه الوقوع في فخ التدخين.

ويجب أن لا نتجاهل مغريات فكرة تجربة التدخين التي يتعرض لها المراهق بسبب جماعة الأصدقاء، وعليه فإن وجود علاقة قوية وإيجابية بين المراهق ووالديه، ووضوح مبدأ الحرية الشخصية وحدودها، يزيدان من إمكانية مناقشة هذه التجربة بعقلانية، إذ يطلب الأهل من المراهق شرح أفكاره ومشاعره تجاه فكرة التدخين، ومن ثم سيفهم أنه يمتلك حرية الاختيار في إطار ما لا يسبب له الضرر وما هو مقبول أسرياً واجتماعياً، وبذلك يستطيع الأهل الوصول إلى نتائج إيجابية حتى وإن تطلب ذلك بعض الوقت، للتدرج في إقناعه وتدريبه على الإقلاع عن التدخين، إذ إن نتائج الحوار والإقناع في قالب من الحب والحزم هي الأكثر ثباتاً على المدى الطويل، فالعقاب والتصادم والعصبية في التعامل مع تدخين المراهق، تؤدي إلى حدوث فجوة بينه وبين الأهل، وقد يلجأ إلى التدخين سراً، ما قد يقوده إلى ما هو أسوأ من التدخين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"