غذاء العقل

الكتاب، هذا الكنز الأدبي الذي يبحر القارئ في صفحاته بين أسطر المعرفة، ليغذي عقله بكلمات صاغها كاتبها بقلم الفكر، ليضع بين أيدي الباحثين عن المعلومة عصارة جهد، خطه على أوراق بحبر لا تزال البصمة التي يتركها على أصابع المتصفح تستهوي الملايين من الذين نشأوا، وهم يرون آباءهم يجلسون على كراسيهم ممسكين بكتاب لم تقوَ الثورة التكنولوجية على تغيير نظرتهم إليه رغم السنين الطويلة التي مضت من أعمارهم، والسطوة الكبيرة التي فرضتها الأجهزة الذكية التي حولت كل شيء إلى رقمي، ليرث أبناؤهم منهم حب الكتاب ونهم القراءة في مجلدات تفقد جل متعتها، عندما تُختصر في ملف مضغوط على تطبيق صغير، لا يجد من يضغط عليه أو يستهويه من محبي القراءة.
نعم هو الكتاب الذي قال فيه الشاعر الكبير أحمد شوقي: 
أَنا مَن بَدَّلَ بِالكُتبِ الصِحابا..... لَم أَجِد لي وافِياً إِلا الكِتابا، يحمل متعة لا يعرف ماهيتها من لم يفتح في يوم غلافيه ويقرأ بلسان العاشق للعلم أسطره، ليقف فيما بينها منبهراً بمتانة ما تكتنزه من مفردات، وما تحمله من معلومات تتماشى مع مختلف المشارب، حيث للتاريخ نصيب كبير في كتبنا العربية، وغيره من المجالات التي تغذي فكر قارئها.
الكتاب والقراءة اللذان يعتبران وجهين لعملة واحدة، أعاد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، صكهما ب «تحدي القراءة العربي» الذي بعث الروح من جديد في كتب تغبر بعضها على أرفف مكتبات، كانت في وقت ليس بالبعيد مقصداً للطلبة ومحبي القراءة، ليعيد سموه للكتاب شيئاً من هيبته المفقودة، ويضع حجر الأساس لتنشئة جيل قارئ يتخذ من الكتاب صديقاً.
القراءة التي تعتبر غذاء العقل والروح، ووسيلة اتصال رئيسية للتعلم والتعرف إلى الثقافات والعلوم المختلفة، ومصدراً للنمو اللغوي والشخصي للفرد، بات غرسها في نفوس الناشئة ضرورة، خصوصاً مع تغول الأجهزة الإلكترونية التي فرضت سطوة على أطفالنا حتى أصبحت تلازمهم من صحوهم إلى نومهم، في غفلة من أولياء الأمور الذين إن وجدوا فيها هدوء المنزل، إلا أنها تأخذ من صحة أبنائهم وترهق عيونهم، ناهيك عما يشاهدونه من مضمون هزيل عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
الكتب صحبة لا يشوبها غش، ثمار القرائح والعقول والأفئدة وذاكرة الأيام والعصور، ومن الضرورة بمكان أن يعلم أطفالنا أنها الرفيق الأمثل، وأنها ستبقى عصية على الكسر ولن تقوى التكنولوجيا بكل ما حملته وستحمله من تطور على أن تذهب بالورق الذي نرتبط وإياه بعلاقة عشق.
[email protected]