عادي

أزمة ثقة في النفس

22:46 مساء
قراءة 4 دقائق

الشارقة: علاء الدين محمود

انتشار كبير لكتب وبرامج وورش تطوير وتحفيز الذات وبناء الشخصية، مؤلفات في كل مكان، وندوات تنشد إثارة الهمم بين أجيال الشباب التي تبحث عن تحقيق الثقة بالنفس والتواصل مع الآخرين في عصر اتسم بالتشظي وحياة الفردانية والتباعد الاجتماعي حتى صار البشر غرباء عن بعضهم البعض، فمعظم هذه المؤلفات والبرامج لا تبحث فقط، كما يظن البعض، في مجال اكتساب المرء للخبرات والتجارب المعارف الجديدة كي تعينه في مجاله العملي؛ بل تعمل بصورة أساسية في موضوع تحقيق الثقة بالنفس وتقوية الشخصية باعتبار أن ذلك هو السبيل نحو النجاح العملي والحياتي وتحقيق الذات عبر جملة من الموجهات والأمثلة التي تبرز نماذج مشرقة من تجارب أشخاص تحدوا الظروف وحققوا نجاحات كبيرة، فالأصل في مؤلفات التحفيز هي بث قيمة الأمل في نفوس البشر في عالم متلاطم الأمواج.

إن انتشار الكتب والمؤلفات، التي تنمي تطوير الذات وتحفيزها شديد الصلة بالعديد من العلوم التي برزت مؤخراً والتي تنتمي إلى حقل علم النفس بصورة أساسية مثل الذكاء العاطفي، الذي يبحث في مجال القدرة على فرز العواطف الذاتية، وحسن استعمالها، أو كما يرى المختص في هذا الجانب الدكتور دانييل كولمان، فإن الذكاء العاطفي يعني القدرة على التعرف إلى شعورنا الشخصي وشعور الآخرين، وذلك لتحفيز أنفسنا، ولإدارة عاطفتنا بشكل سليم في علاقتنا مع الآخرين؛ حيث يدخل التحفيز كجانب مهم في عملية الذكاء العاطفي، فهو يشير إلى مقدرة الإنسان على فهم ذاته وفهم الآخرين، مما يقود إلى النجاح، ويلفت كولمان، إلى أن التحفيز نفسه يتشكل من أربعة مكونات أساسية وهي الرغبة في تحقيق الأهداف، أو الدافع الشخصي للتحسين والتطوير والوفاء بمعايير محددة، والالتزام بالسعي نحو الأهداف الشخصية للمرء، والمبادرة أو الاستعداد لاقتناص الفرص، والتفاؤل أو الميل للنظر ومراقبة الأمور مع الإيمان بإمكانية تحقيق الأهداف.

منافسة

في وقتنا الحالي الذي يسمى عصر العولمة، أو النظام العالمي الجديد، أو زمن ثقافة الاستهلاك، وغيرها من المسميات والمفردات التي تشير إلى النظام الرأسمالي، فإن المنافسة هي سيدة الموقف، بدلاً من قيم التعاون والتعاضد الاجتماعي، لذلك يحتاج المرء إلى قدر كبير من المعارف والخبرات تساعده في أن يمتلك «سيرة ذاتية»، تؤهله للمنافسة مع الآخرين في سياق الوظائف والأعمال المهنية المختلفة، فالفشل يعني الموت ولا سبيل أمام المرء غير التسلح من أجل خوض معركة الحياة والبقاء، لذلك فإن هذه المؤلفات والبرامج التحفيزية تدعي المساعدة على إمكانية جعل المرء يكتشف قدراته ومواهبه التي يجهلها، كما أنها تمده بالخبرات اللازمة من أجل الاستعداد لخوض التنافس مع الآخرين.

وإلى جانب ذلك، يرى آخرون أن من أهم ما يبحث عنه الإنسان في أزمنة التشظي هو البحث عن الطمأنينة والسعادة والرضاء عن النفس، واكتشاف معنى أعمق لحياته التي قد لا يجد لها قيمة حقيقية، لذلك هو يسعى عبر تلك التوجيهات والوصايا التي تحملها مؤلفات التحفيز، إلى البحث في دواخله عن المعنى، ففي عصرنا الحالي الذي يتسم بالتباعد وصعوبة التواصل والعلاقات الاجتماعية يشعر المرء بثقل الحياة وبفراغ قاتل ويحاول أن يبحث عن طريق يشعره بقيمته وأهمية وجوده، وذلك ما يجده، أو ما يتوهم وجوده في تلك المؤلفات.

اختلال

كتب التحفيز الذاتي والجماعي، تسعى رويداً رويداً إلى خلق تغيير كبير في بنية الثقافة والمعارف، فقد دخلت كمنافس حقيقي للمؤلفات في مجال الأدب من رواية وشعر؛ بل وحتى الفلسفة والفكر؛ حيث لم يعد الإنسان يستطيع، في عصر السرعة، على الصبر على الوصول إلى خلاصة المعارف من الأدب ومقولات المفكرين والفلاسفة والأدباء، ومناقشة المفاهيم الفلسفية والإبداعية، لم يعد تغريه أقوال وحكم تولستوي، أو تشارلز ديكنز، أو دوستويفسكي، أو شكسبير أو هيجل أو نيتشه، فلا وقت لديه لمثل تلك الكتب الصعبة، فهو يريد حلاً مباشراً وسريعاً لجميع مشاكله بضربة واحدة، لذلك هو يلجأ لتلك المؤلفات ذات الطابع «الأبوي»؛ بمعنى أنها تدعي الوصاية على الإنسان في تحديد خيارته ومعرفة ما يفيده في الحياة، عبر جملة من المواعظ والوصايا والنصائح والإرشاد، وكأنها بالفعل تحل محل الأسرة أو المدرسة، فتلك المؤلفات والبرامج التحفيزية تظهر نفسها كأم رؤوم أو أب حنون عطوف، أو ملاذ آمن في عصر الخوف يلجأ إليه الإنسان ليبدد مخاوفه ويستعين به على صعوبة الحياة وثقلها، فالمرء يجد متنفساً في تلك المؤلفات في ظل ما يعيشه من ضغوط كبيرة على مستويات العمل والبيت والأسرة والحياة العامة.

نجوم

هناك الآن العديد من المؤلفين في مجال التحفيز الذاتي، صاروا نجوماً يشار إليهم بالبنان، يكتسبون شهرة وشعبية أكبر من تلك التي كانت لدى كبار الفلاسفة والأدباء والمفكرين، ويتابع الناس أخبارهم عبر شاشات التلفزة ومختلف وسائل الإعلام في شتى أنحاء العالم، وتحقق كتبهم أعلى المبيعات في أسواق الكتب، ومن أبرز هؤلاء المؤلفين، والمدربين: نورمان بيل، وروبرت انتوني، كيث فيرازي، و ستيفن لوفي، وغيرهم من كتاب صارت كلمتهم هي العليا وشهرتهم هي الأوسع في مجالات الثقافة والأدب والفكر والأعمال و«البزنس»، فهم الذين يقدمون إجابات عن أسئلة مثل: كيف تنجح؟ ماهي شروط التفوق؟ كيف تتغلب على الصعوبات؟ وغيرها من الأسئلة التي يبحث المرء عن إجابات مباشرة لها بعيداً عن تعقيدات وصعوبات الفلسفة والأدب.

الواقع العربي

يقبل الشباب العربي على كتب وبرامج التنمية البشرية والتحفيز الذاتي فيما يشبه الصرعة، ففي كل الأنشطة والفعاليات الثقافية العربية هنالك ركن يحاضر فيه أحدهم عن التحفيز الذاتي وأهميته، وعلى الرغم من أن نشأة علم وأدب التحفيز في الغرب، وبشروط ثقافية وسياسية وفكرية تنتمي إلى المجتمعات الغربية، فإن الإقبال العربي عليها كبير بفضل الكتب والمؤلفات المترجمة الواردة من الغرب، وربما لأن البحث عن التفوق والنجاح وتقليل ضغوط الحياة التي تعمق من أزمة ثقة الإنسان بنفسه، قد جعل الكثير من الشباب العرب يلجؤون إلى مؤلفات تطوير الذات بصورة غريبة؛ بحيث أصبحت تجد انتعاشاً كبيراً في سوق الكتب، وصارت المفضلة لدى دور النشر العربية، وعلى الرغم من ذلك، فإن هنالك قلة من المؤلفين العرب برزوا في الكتابة في مجال تطوير الذات وتحفيزها مثل المصري الدكتور إبراهيم الفقي، والذي يعد الأبرز عربياً في مجال التنمية البشرية والبرمجة اللغوية، مقابل سيل من المؤلفات المترجمة لكتاب غربيين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"