التأقلم والمرونة

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين
صباح الخير

في خضم العبء والضغط اللذين خلّفتهما جائحة «كورونا» البغيضة، وما أفرزته من سلوكات لجأ إليها كثير من الناس، لم يكونوا مارسوها من قبل، وبعضهم سمعوا بها فقط، فالفراغ الذي بسط ظلاله، خلق ضغطاً نفسيّاً، جعل الناس أمام عدد من الخيارات، إما الاستشاطة غضباً التي قد تطال المحيطين بهم أو القريبين منهم، أو إفراغ المشاعر السلبية، فلا يصبح بمقدورهم الاستجابة لأي أمر مهما يكن مفيداً.
 بعضهم قد يلجأون إلى تعاطي أنواع من المخدّرات، قد تودي بهم إلى التهلكة إمّا وراء القضبان، أو في أحد المستشفيات، أو تحت التراب، أو أنهم يحاولون تغيير الوضع المزعج، وهذا النهج هو الذي يأخذ المرء نحو الحياة التي يرجوها، لأنه صار يتحلّى بالمرونة، لأن مشاعره المؤلمة تجاه حاله «البائسة»، تدفعه دفعاً نحو تغيير نمط حياته إلى الأفضل؛ فإن كان يعيش في بيئة أسرية ممن يحمل أفرادها تعليماً متدنياً، رأى تداعيات انخفاض دخل أسرته، بسبب انخفاض مؤهلاتهم، فإنه يتجه مثلاً نحو أعلى مستويات التعلم أو يخوض غمار التجارة أو يحسن جودة علاقاته، في محاولة لتحسين وضعه.
 بعبارة أخرى فإن مشاعرنا السلبية الفطرية كالخوف، أو الألم، أو الغضب، أو الضيق، أو اليأس، أو الضجر، أو العجز، كلها أمور يمكن أن تدفعنا نحو الخيار الثالث وهو إحداث تغيير جذري في حياتنا. 
والناظر إلى ما مر به العالم من اكتساح الفيروس البغيض لكل أنحاء المعمورة، وحبس الناس أنفسهم في المنازل، يرى كيف نجحوا في البحث عن بدائل أفضل لهذا الواقع الجديد. فانتعشت الاجتماعات عن بُعد، وفُعّل التعليم الإلكتروني في بلدان نامية، رغم بعض سلبياته التي شكا منها بعض أولياء الأمور.. وكذلك بحث الناس عن متع جديدة داخل أسوار منازلهم، لم تكن لتُكتشف قبل تلك المحنة. 
 وهذا يؤكد أمراً في غاية الأهمية، أن تلك «المرونة» ضرورة من الضرورات التي يجب أن يتحلّى بها أي إنسان، لمواجهة أي صعوبة أو معضلة، فالحياة سلسلة من التحديات والمحن، يتخطّاها المرء بسلام، إذا ما أحسن اختيار ردود فعل حكيمة. فالغضب وتفريغ المشاعر من دون التركيز على حلول، يفاقمان المشكلة ولا يأخذان بيد المرء نحو «متعة» التأقلم مع التحديات، أو بالأحرى «قوته».
دولة الإمارات خير دليل على هذا التأقلم، فقد تعاملت مع الجائحة على أنّها أمر واقع، تجب الإحاطة بكل تفاصيله، ودراستها والوقوف على السلبي منها والإيجابي، فكان خيار التطعيم الذي تكاد تقترب جرعاته من تسعة عشر مليوناً، ما يعني الإصرار على الانتهاء منه.
 وهذا باختصار هو الفارق بين من يخرج من أزماته أقوى من ذي قبل، ومن يخرج وهو يندب حظه العاثر.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"