ظاهرة ثقافة النصائح

00:31 صباحا
قراءة 3 دقائق

يوسف أبولوز

«فكّر تصبح غنياً»، «جدّد حياتك»، «استمتع بحياتك»، «سيطر على حياتك»، «تخلّص من - ولكن»، «درّب نفسك على الثقة بالنفس»، «أيقظ العملاق»، «إبق قوياً 365 يوماً في السنة»، هذه الحزمة من العبارات التي تبدأ بفعل الأمر ليست نصائح معلّقة على الجدران أو على يافطات في الطرق والمؤسسات والدوائر الخدمية الاجتماعية؛ بل هي عناوين كتب وراءها مؤلفون عرب وأجانب، والمؤلفون الأجانب أكثر من المؤلفين العرب، هي ليست نصائح عابرة؛ بل مرة ثانية هي كتب من ورق وحبر وأغلفة وراءها دور نشر محترمة، ولها شركات ومؤسسات توزيع مهنية ولها دعاية وإعلام أيضاً، وأكثر من كل ذلك، والأهم منه أن لهذه الكتب سوق قراءة أوسع، ويبحث عنها ملايين القرّاء في العالم، وبعضها يصل إلى قوائم الكتب الأكثر توزيعاً، وبكلمة ثانية هي كتب تدرّ الكثير من الأموال، ومؤلفوها قد يصبح بعضهم من الأثرياء حين تباع كتبه بالملايين، وتحركها آلة دعاية وتوزيع محترفة، وتترجم إلى اللغة العربية بشكل خاص بكثافة عالية، وشخصياً، لا أعرف على وجه الضبط فيما إذا كانت هذه الكتب تترجم إلى عشرات لغات العالم مثلها مثل روايات ماركيز وغيره من الأدباء النوبليين أو مثل الروايات التي تحظى بجوائز أدبية عالمية مثل البوكرين: الأجنبية، والعربية.

 عمّا نتحدث هنا؟ باختصار شديد نتحدث عن ظاهرة ثقافة وكتب ما يُسمّى اليوم تطوير الذات والتنمية النفسية والمهارية والبشرية.

أفعال الأمر التي بدأت بها هذه المقالة هي أسماء كتب بعينها من هذا النوع. كتب ظاهرة تطوير الذات لمؤلفين بعضهم أصبح نجوماً في هذه السوق النشرية العريضة سواء في الغرب، أو عند العرب من خلال ترجمة هذه الكتب إلى العربية.

بدافع الفضول، جلست أمام محرّك البحث «جوجل» ليأخذني إلى هذه السوق العريضة، وفي أقل من نصف ساعة توصلت إلى أكثر من أربعين عنواناً في إطار ظاهرة كتب التنمية البشرية وتنمية الذات، بعضها بإمكانك أن تُحمّله وتقرأه مجاناً، فهناك قطاع واسع من قرّاء هذا النوع من الكتب وبخاصة في الأفق القرائي العربي.

عند الحديث عن هذه الظاهرة الثقافية، القرائية، النشرية، سمّها ما شئت لا بد أن تتوقف عند خبير التنمية البشرية إبراهيم الفقي الذي وضع نحو 25 كتاباً في هذا الحقل الذي يلقى اليوم إقبالاً متزايداً من القرّاء، وبخاصة، من الشباب، ومن بين هذه العناوين: قوّة التفكير، المفاتيح العشرة للنجاح، قوّة التحكم في الذات، قوّة الحب والتسامح، حياة بلا توتر، سحر القيادة، الطريق إلى النجاح، الطريق إلى الامتياز، فن وأسرار اتخاذ القرار وغيرها من عناوين تعطي ما يشبه ورشات عمل في الإدارة، وصناعة المستقبل، والطاقة الإيجابية، والتفكير الإيجابي، وهي موضوعات العصر إن جازت العبارة، وتلقى إقبالاً من الشباب الذين يغامرون في تجارب استثمارية أو اقتصادية أو تجارية، والبعض يعتقد بأنه يمكن أن يبدأ من الصفر وقد تسلح بمثل هذه القراءات ذات العناوين التحفيزية على النجاح.

و هناك صَف طويل من كتّاب أجانب يلتقون في مؤلفاتهم على عناصر ظاهرة تطوير الذات الفردية، والذات الجماعية، والمؤسسية:.. جاري كيلر، روبرت انتوني، كيث فيرازي، سوران جيفرز - انتوني روبنز، نورمان بيل، ديل كارينجي، ستيفن لوفي، جوان جراي، ديمي لوفاتو، روبرت كيو ساكي، وغيرهم كتّاب وكاتبات خاضوا في موضوعات مثل العقل الباطن، ولغة الحب، ولغة الجسد، والثقة بالنفس وبالآخرين، وإدارة الوقت وغير ذلك من موضوعات تدور في فلك تنمية الذات.

لا يزعم هؤلاء الكتّاب أنهم فلاسفة، وأن كتبهم تقع في حقل علم الاجتماع أو علم النفس بالمعنى التخصصي أو المهني لهذه الحقول المعرفية والعلوم الإنسانية؛ بل يذهب بعض كتّاب ظاهرة تطوير الذات إلى الاعتماد على تجارب نجاح أو تجارب فشل شخصية أو تعود إلى أشخاص آخرين للاستفادة منها في الكتابة التي يبدو أنها تتزايد عربياً وعالمياً ووراء ذلك حافز قوي تماماً، وهو القارئ الذي يركض وراء هذه الكتب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"