حبل الغسيل

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

حين ترد عبارة «نشر الغسيل» على الألسن لا يقصد بها  بالضرورة  معناها المباشر؛ أي أن نقوم بنشر الملابس المغسولة في فناء البيت أو على سطحه، أو في شرفات الشقق لتعريضها لأشعة الشمس كي تجف، وإنما قد نعني أن أحدهم قام بالبوح أو الإفصاح عن أشياء ما كان يجب أن تُقال في العلن؛ بل ينبغي أن تظل سراً بين من يعنيهم الأمر.
وفي الغالب فإن مثل هذا القول يحمل مدلولاً سلبياً، أو حتى «فضائحياً» في بعض الحالات، فحين نقول عن شخص إنه «نشر غسيله»، نكون قد عنينا أنه أتى من الأقوال ما يفضحه هو، أو يفضح أحداً سواه، جمعته به صلة أو علاقة، بكافة صور العلاقات: شخصية كانت أو مالية أو علاقة عمل.
مفكراً في العبارة نفسها خطر في بالي خاطر، فماذا لو قام أديب موهوب بكتابة قصة، أو حتى رواية، تنطلق من الملابس المنشورة على حبل الغسيل، فيتخيل كيف هم أصحابها، كأنه يراهم وهم يرتدون هذه الملابس، رجالاً كانوا أو نساء، طوال القامة أو قصارها، ممتلئي الأجسام أو نحافها، ويعرج على أذواقهم حكماً من الملابس التي يختارونها لأنفسهم، من ملاحظة ألوانها وتصميمها، فقراء أو أغنياء، ومرة أخرى من نوعية الملابس التي اشتروها لأنفسهم، وأكثر من ذلك قد يتعرف إلى ميولهم: أمحافظون هم، أم إلى «التحرر» أقرب؟ 
المخابرات الأمريكية (سي آي إيه) ذهبت إلى ما يمكن لأي أي أديب أن يفكر فيه، حين اهتدت إلى مكان اختباء زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، في البيت الذي قتل فيه في باكستان عن طريق حبل الغسيل في البيت السري الذي أقام فيه.
وبعد نشوء الشكوك لديها، بناء على تعقب حركة حارسه الشخصي، أخضعت البيت لمراقبة دقيقة، مركزة على أدق التفاصيل، فبن لادن أقام في سنواته الأخيرة في ما يشبه «الحصن الكبير» يكفي لإيواء أسرته الكبيرة المكونة من 3 زوجات وثمانية أبناء وأربعة أحفاد.
الدليل الأقوى الذي مكّن الوكالة الأمريكية من التوصل إلى ابن لادن كان «حبل الغسيل» في ذلك المنزل، حيث لوحظ أن ما ينشر عليه من ملابس تخص رجلاً واحداً بالغاً فقط، وعدداً كبيراً من النساء وتسعة أطفال على الأقل، وهو ما يتناسب مع عدد أفراد أسرة ابن لادن، حسب المعطيات المتوفرة لدى الوكالة عنها.
المعلومة واردة في كتاب وشيك الصدور عن ابن لادن، عرضت له «نيويورك بوست»، التي قالت إن مصير بن لادن ربما كان سيختلف «لو فكّر في منح زوجاته مجففاً للملابس».
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"