كارثة تنتظر العدالة

00:11 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

في الذكرى الأولى للانفجار الذي ضرب مرفأ بيروت، يستعيد اللبنانيون واحدة من أكبر الكوارث التي تعرضوا لها، بالنزول إلى الشوارع، مجددين مطالبتهم بالعدالة التي تنتظرها أرواح من سقطوا جراء فساد وإهمال وسوء إدارة ممن تسببوا بالكارثة التي أودت بحياة 218 شخصاً، وخلفت 7 آلاف جريح، وأسفرت عن تدمير 73 ألف منزل وتضرر 9200 مبنى، وعشرات المستشفيات والمدارس، إضافة إلى تشريد 300 ألف شخص.

بعد عام، كأن الكارثة وقعت يوم أمس.. لا تحقيق جدياً بدأ، ولا أحد حوسب، ولا مسؤول مثلَ أمام القضاء؛ لأن المنظومة السياسية الحاكمة تتهرب وتماطل وتختلق الأعذار، وتتفنن في أساليب الاحتيال على القانون وانتهاك الدستور ومتطلبات العدالة، بعدما طلب المحقق العدلي رفع الحصانات عن كل الرؤساء ورؤساء الحكومات والوزراء ورؤساء الأجهزة الأمنية الذين كانوا في مناصبهم خلال السنوات السبع الماضية منذ وصول الباخرة المشؤومة المحملة بالنتيترات إلى مرفأ بيروت حتى لحظة انفجارها.

 هذا البلد المنكوب بكوارث الإهمال والفساد وطبقته السياسية الطائفية، وأزماته الاقتصادية والمالية والصحية والاجتماعية بات عاجزاً حتى عن تشكيل حكومة يمكن أن تمثل خشبة خلاص ولو بالحد الأدنى للبنانيين العاجزين عن توفير دواء يقيهم المرض ويرد عنهم العلل، أو كهرباء تضيء عتمتهم، أو مياه صالحة للشرب.

 إنها الطبقة السياسية إياها التي تمعن في نكران واقع مأساوي لا يطاق، وتتهرب من تحمل مسؤولياتها، وتستمرئ النهب والفساد، وتستخدم الطائفية والشحن المذهبي وسيلة للبقاء في السلطة، هي المسؤولة عن كل الكوارث التي يواجهها لبنان، وهي التي يجب أن تحاسب على ما اقترفت.

 إنه النظام الطائفي القائم على المحاصصة واقتسام المغانم والمناصب، الذي نهب كل شيء ولم يترك للبنانيين إلا الفقر والعوز والجوع والمرض.. إنه النظام الذي يغطي على الفضائح والموبقات ولا يشبع.. النظام الذي يستبيح حياة الناس ويحلل قتلهم وتدمير سبل عيشهم ولا يستحيي.. إنه النظام الذي يعرقل العدالة وتطبيق القانون، ويعيق تشكيل حكومة اختصاصيين أكفاء غير ملوثين بالفساد، جراء صراع على الحصص الطائفية. 

 إنه النظام الذي نزل مئات آلاف اللبنانيين يوم 17 تشرين الأول /أكتوبر 2019 إلى الشوارع يطالب بتغييره تحت شعار «كلن يعني كلن»، وهو النظام نفسه الذي من المقرر أن يكون هدفاً مرة أخرى اليوم في الذكرى الأولى لكارثة المرفأ وبيروت.. إنه يوم اللبنانيين الذين سيتقاطرون مجدداً إلى الشوارع والساحات مطالبين بالعدالة للضحايا ورفع الحصانات عن كل المتورطين والمسؤولين عن الكارثة أياً كانت مواقعهم أو انتماءاتهم أو طوائفهم أو مذاهبهم.

 اليوم.. قد يكون يوماً جديداً على لبنان من أجل العدالة والحقيقة وسيادة القانون.. إنه الدم الذي يطالب بالقصاص العادل من القتلة، وإنها الجريمة التي لن تسقط بالتقادم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"