نُصب للذكرى أم للنسيان؟

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

سجال يدور في لبنان حول نصب تذكاري ضخم صُنع من حطام الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت قبل عام، بين تأييد البعض للفكرة، ورفض آخرين يعتقدون أن الأولوية ليست لإقامة النصب التذكاري، وإنما لمحاسبة المسؤولين عن الكارثة التي تسببت في أعداد كبيرة من الضحايا بين قتلى وجرحى، ناهيك عن حجم الدمار المهول الذي لحق بمناطق شاسعة في العاصمة.
أطلق مصمم النصب المهندس المعماري نديم كرم اسم «الرمز» على عمله، قائلاً، إن «الرغبة في إبداء الاهتمام وتقديم لفتة طيبة لعائلات الضحايا»، هي الدافع وراء إقامة النصب المصنوع، حسب وصفه، «من رماد المدينة وجروحها وجروح الناس التي لم تلتئم»، مؤكداً أن نواياه إيجابية، وليس لديه انتماء لأي أحزاب أو ساسة، رافضاً «مزاعم» ارتباطه بكبار المسؤولين التي وصفها ب«الكاذبة».
بعض أقارب الضحايا حضروا حفل إزاحة الستار عن النصب، وبينهم مهندس معماري فقد والدته في الانفجار، أثنى على فكرة النصب، وحيّا الشركات التي دعمت المشروع، لكن بالمقابل هناك آخرون أبدوا غضبهم، بل اتهموا مصممه بالتعاون مع الحكومة، وقالت إحدى هؤلاء: «كثير من اللبنانيين يشعرون بالاستياء بسبب المشروع، إن الانفجار لا ينبغي التعامل معه على أنه تحول إلى ذكرى»، محذرة من أن نصباً مثل هذا يحوّل الجريمة إلى مجرد ذكرى مؤلمة، فيما «القتلة يتمتعون بحصانة كاملة»، ونقلت وسائل الإعلام عنها: «هذا مسرح جريمة لا يمكن لمسه بعد، ويجب التحقيق فيه».
هذا السجال يطرح مسألة لا تخلو من البعد الأخلاقي، فالغاية من إقامة الأنصاب التذكارية في أي بلد، سواء كانت لشخصيات تركت بصمتها القوّية في نهضة البلد المعنيّ، أو تلك الأنصاب التي تجسّد وقائع تاريخية فاصلة في تاريخ البلد، هي إبقاء الذاكرة حيّة عبر الأجيال في المجتمع المعنيّ، لكن السجال اللبناني حول نصب المرفأ، وهو سجال لا نملك أن نقطع فيه برأي لأن أهل لبنان أدرى بشعابه، يشير إلى أمر نقيض، هو أن النصب، من وجهة نظر معارضيه، سيؤدي إلى نسيان الضحايا، نحو مئتي قتيل وستة آلاف جريح، الذين يصح القول، ولو مجازاً، إن دماءهم لم تجف بعد.
يبدو هذا توجساً في مكانه، حين نقرأ هذا المقطع من تقرير جديد لمنظمة العفو الدولية، تقول فيه: «ينتظر اللبنانيون منذ عام أجوبة عن الأسئلة ذاتها: من أتى ب2750 طناً من نترات الأمونيوم إلى بيروت؟ لماذا تُركت سبع سنوات في المرفأ؟ ومن كان يعلم بها وبمخاطرها؟ وما هي الشرارة التي أدت إلى وقوع أحد أكبر الانفجارات غير النووية في العالم؟».
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"