عادي

البلاغة والفلسفة.. تاريخ طويل من الصدام

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين
23

شهد العالم العربي، علاقات متوترة ومرتبكة بين البلاغة والفلسفة، زاد من تعقدها النظر إلى الفلسفة على أنها معارف منقولة عن غير العرب من اليونان القدماء، بالطبع يمكن بناء سردية لصلة إحداهما بالأخرى في شكل ملحمة صراع بين البلاغيين الخلص والمتفلسفين.

وكما يقول د. عماد عبد اللطيف في تقديمه لكتاب «البلاغة والفلسفة في أعمال محمد عابد الجابري» لإدريس جبري، فإن ضياء الدين بن الأثير يمثل الفصل الأكثر درامية في هذه الملحمة، فنصوصه المتهمة للبلاغيين من الفلاسفة العرب تكاد تكون تحريضاً على القتل، ووقوداً للحرب.

ويمكن النظر إلى أبي يعقوب السكاكي في «مفتاح العلوم» وحازم القرطاجني في «منهاج البلغاء وسراج الأدباء» على أنهما من دعاة المصالحة بين البلاغة العربية الأصيلة والبلاغة اليونانية الوافدة، وإن من مواقع متباينة وبأقدار مختلفة.

ورث البلاغيون العرب المحدثون تلك العلاقات المرتبكة بين البلاغة والفلسفة، وتطورت تصوراتهم لها، ففي حين رأى أمين الخولي أن تطور البلاغة لا يكتمل، إلا بإحداث قطيعة بينها وبين الفلسفة، مهاجما الفلسفة بوصفها أحد عوامل انحطاط البلاغة، احتفى تلاميذه بالمساهمات البلاغية للفلاسفة العرب، وكان د. شكري عياد، أقرب تلاميذه إليه، وهو نفسه حقق «فن الشعر» لأرسطو.

يقدم جبري، في هذا الكتاب مقاربة بلاغية لمشروع واحد من أكثر الفلاسفة العرب تأثيراً في الفكر العربي المعاصر، مركزاً على عملين له، هما رباعيتا نقد العقل العربي وتحليل الخطاب القرآني، يدرس د. إدريس جبري أعمال محمد عابد الجابري، محللاً تصوراته للبلاغة العربية، ودورها في تشكيل العقل العربي من ناحية، وفي تحليل القرآن الكريم من ناحية أخرى.

وبذلك يرتاد الكتاب أفقاً مهماً للدرس البلاغي هو النص الفلسفي، ويؤكد أهمية البلاغة في فهم المشاريع الفكرية الكبرى، ويرصد أثر التصورات التي يبنيها الفلاسفة لعلم البلاغة والكلام البليغ في مشاريعهم الفلسفية.

تحضر البلاغة في الكتاب، بوصفها أداة لفهم مطارحات الجابري مع خصومه، التي تنطلق من أرضية فلسفية، لتقارب حال العرب معرفياً وفكرياً وسياسياً واجتماعياً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"