المأساة والذكرى

00:14 صباحا
قراءة دقيقتين

ما من مأساة إلا وتصير ذكرى، لكن الذكرى لا تعني أن الإنسان تجاوز وتخطى الألم وتعافى بالبدن والنفس من أي أثر سلبي لما مر به. 
خلف كل المآسي التي تحصل في العالم شعوب تعاني، آثار لدمار ظاهر في الحجر وآثار لدمار خفي يبقى عالقاً في الأرواح لا يغادرها بين يوم وليلة ولا بين شهر وعام. 
ما من مأساة أو حرب إلا وتركت ندوباً في الناس، من يداويها وهل يلتفتون إليها حين يتحدثون عن الدمار الذي أحدثه هذا الانفجار أو تلك المعركة؟ 
أمس كانت الذكرى الأولى لانفجار مرفأ بيروت، المكان لم يستفق بعد من وجع الكارثة، فما حال أهل بيروت وكل من طالتهم المأساة بفقدان عزيز أو هزهم الانفجار فطار البيت وطار النوم من العيون؟
بعيداً عن السياسة هناك حقيقة إنسانية لا يمكن إخفاؤها مهما طال الزمن، كتلك التي أعلنتها منظمة الأمم المتحدة للطفولة وفق دراسة أجرتها على ١٢٠٠ عائلة تضررت من انفجار مرفأ بيروت قبل عام، والتي تؤكد فيها أن الأثر النفسي الذي خلفه الانفجار اتسعت دائرته ومازالت أعراض المعاناة النفسية تظهر على أطفال أسرة من كل ثلاث عائلات، بينما ترتفع النسبة لدى الراشدين إلى واحد من كل اثنين. 
الأثر النفسي لا تراه العيون، لكنه ينعكس على كل تفصيلة في حياة الإنسان، يسرق الراحة والإحساس بالأمان، يتحول إلى إحباط وربما انهيار وتوتر وأرق وقلق. وما حصل في ٤ آب أغسطس/آب في بيروت لم ينته، أحدث زلزالاً وتصدعت جدران البيوت والنفوس، هناك من أعاد تصليح ما تهدم وهناك من رمم بيته أو مكتبه، لكن النفوس بقيت عاجزة عن الترميم. 
من شاهد الانفجار «الهيروشيمي» قبل عام لم ينسه يوماً، تأثر وبكى وصرخ وكتب وهو يعيش على بعد بحار ودول، فما بالك بمن بكى على أب أو أخ وأخت وأم وابن وابنة وزوج وزوجة وجيران وأصدقاء؟ كيف هو حال من عاش جحيم اللحظة المرعبة ولم يفق منها بلا جراح بدنية ونفسية؟ 
كثير الكلام الذي قيل ويقال، وكبير الألم الذي لا يمحى بخطاب أو وعد وبضع كلمات مرصوصة مصفوفة على مقاس الحزن وليناسب المأساة ومعاناة المتضررين وأهالي الضحايا.
القلق بصمة من بصمات كل كارثة إنسانية؛ الانفجار صار ذكرى، والندوب البدنية والنفسية هي أيضاً ذكرى تركتها الكارثة وتتجدد كل يوم لا كل عام.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"