فصحى بيرم التونسي وعاميّته

00:10 صباحا
قراءة دقيقتين

عدّد الأديب خيري شلبي عدة أسماء لأدباء وصفهم ب «زعماء الضحك» في الأدب المصري، بينهم المازني، محمود السعدني، فؤاد حداد، أحمد فؤاد نجم، كامل الشناوي وسواهم من «الظرفاء».
هذا التعداد ورد في مقال خصصه شلبي لواحدٍ من أبرز وجوه الأدب الساخر هو بيرم التونسي، الذي عن أشعاره قال شلبي إنها «تقوم على الفكاهة الحادة المؤلمة»، وما اختيار بيرم لفن الزجل إلا لكونه متسقاً مع روح الشاعر الفكهة.
طغى صيت بيرم التونسي كشاعر بالعامية، لأن عدداً ليس بقليل من قصائدة أصبحت مغناة بأصوات فنانين كبار، خاصة أم كلثوم التي غنت من كلماته أغنيات شهيرة كتلك التي لحنها زكريا أحمد، وبينها: «أنا في انتظارك»، «حبيبي يسعد أوقاته»، «أهل الهوى»، «الأولة في الغرام»، «غني لي شوي»، «قولي ولا تخبيش»، «برضاك يا خالقي»، «هو صحيح الهوى غلاب».
ومن ألحان محمد القصبجي، غنت «الست» من كلمات التونسي أغاني «يا صباح الخير يا للي معانا»، «نورك يا ست الكل»، ومن ألحان رياض السنباطي غنت له «بعد الصبر ما طال»، «الحب كده»، «شمس الأصيل»، «القلب يعشق كل جميل»، «ظلموني الناس». وهناك أغانٍ كلثومية أخرى لبيرم غير هذه، بعضها وطني، من ألحان هذا الثلاثي، إضافة إلى محمد الموجي.
لعلّ صيت بيرم كشاعر بالعامية حجب، ولو إلى حدود، شعره بالفصحى، مع أنه من الصعب الفصل بين شعر بيرم العامي والفصيح، وشهيرة المقولة المنسبوبة إلى أحمد شوقي: «أخشى على العربية من بيرم»، لكثرة ما جرت قصائده العامية على الألسن، وهي مقولة لا يجب أن تؤخذ على سبيل النقد أو الهجاء من شوقي لبيرم، بمقدار ما تنمّ عن أنه كان يغبطه، ربما لتسلل الفصحى إلى شعر بيرم العامي، والعكس صحيح: تسلل العامية إلى فصيحه من الشعر.
خيري شلبي في مقاله المشار إليه عدّ بيرم التونسي أحد شعراء الفصحى الكبار في عصره، إلى جانب العقاد وشوقي وحافظ وإيليا أبو ماضي وغيرهم من معاصريه، بل إن كتابات بيرم بالفصحى في النثر والشعر على السواء تضعه، كما يقول شلبي، «في مرتبة عالية جداً من القوة والرصانة والمهابة اللغوية، فلغته الفصحى تنبع من آبار ارتوازية شديدة النقاء والصفاء في مذاقها العذب».
وجد خيري شلبي في قصيدة بيرم «المجلس البلدي» خير مثال، حتى أنه قال إن بنيانها المتين يذكرنا بالشعراء الفحول. ومن يعرف العلاقة التي جمعت بيرم في سنوات شبابه مع الفنان سيد درويش بوسعه أن يلحظ المشتركات بينهما، التي جمعت بين المحتويين الساخر والناقد لإبداعهما في الآن ذاته.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"