الإمارات في مجلس الأمن

00:05 صباحا
قراءة 3 دقائق

د.خليل حسين *

الإمارات العربية المتحدة التي انضمت إلى عضوية الأمم المتحدة في العام 1971 بالتزامن مع تأسيسها، سبق وانتخبت أيضاً لعضوية مجلس الأمن للعامين 1986 و1987، ثم أعيد انتخابها في 11 يونيو/ حزيران الماضي لعامي 2022 و2023 بدءاً من الأول من يناير/ كانون الثاني القادم. ولانتخاب الإمارات بأغلبية 179 صوتاً في الجمعية العامة بعد توصية مجلس الأمن دلالات سياسية ودبلوماسية رفيعة لما تستحوذ عضوية مجلس الأمن من اهتمام لافت بالنظر للدور والموقع الذي تشغله الدولة المنتخبة.

ثمة خطأ شائع مفاده التقليل من أهمية الدول غير الدائمة في مجلس الأمن، إلا أن التدقيق في الأمر يثبت حقائق ووقائع مغايرة تبرز أهمية العضوية لما يمكن أن تقوم به الدولة العضو من أدوار أساسية أو مكملة لقرارات ذات وزن دولي فاعل. فالدولة المرشحة ينبغي أن تحوز أولاً توصية مجلس الأمن ومن ثم انتخابها من الجمعية العامة بالأغلبية المطلقة من الأعضاء، وبذلك تكتسب مشروعية التعامل الدولي من خلال القبول بالدور المفترض الذي ينبغي القيام به. 

والدولة المنتخبة تقوم بدور التصويت على القرارات الدولية إلى جانب الدول الخمس الدائمة العضوية على قدم المساواة لجهة الوزن الانتخابي، ولا تتميز الدول الدائمة العضوية إلا في حق النقض «الفيتو» الذي يمكن استعماله لإسقاط القرار وعدم تمريره، إلا أن هذا الامتياز المنصوص عليه في ميثاق المنظمة الدولية تقابله مثلاً أوضاع قانونية لمشاركة الدول غير الدائمة، من بينها مثلًا وجوب تصويت على الأقل تسعة أعضاء منها إلى جانب الدول الخمس لكي يتخذ القرار وضعية القابل للتنفيذ.

علاوة على ذلك، للدول غير الدائمة العضوية في المجلس، دور متميز في مشاركتها في عملية التصويت على قرار ما للتفريق بين ما يعتبر قراراً إجرائياً أو موضوعياً، وهي الصفة القانونية غير الواضحة في الميثاق ويترتب عليها معرفة حق الدول الدائمة العضوية في استعمال حق النقض. ويأتي هنا دور الدول غير الدائمة في التصويت ليتم العدد المطلوب لصحة القرار. إضافة إلى ذلك فإن عمليات التصويت واتخاذ القرارات والمواقف في القضايا الدولية تكون على قدم المساواة مع الدول الكبرى.

والإمارات التي ستمارس صلاحيات العضوية في مجلس الأمن، لها امتياز محقق بفعل الموقع الجيوسياسي الذي تتمتع به، والذي من خلاله تمكنت من بناء سياسة خارجية فاعلة ونشطة إقليمياً ودولياً، وذلك أيضاً بفعل الإمكانات المادية والمعنوية المتراكمة على مدى نصف قرن من التأسيس. فالإمارات اختيرت عضواً كدولة تقع جغرافياً في القارة الآسيوية، وهي أيضاً عضو في الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي ومنظمة المؤتمر الإسلامي إضافة إلى عضوية عشرات المنظمات الإقليمية والدولية المتخصصة الفاعلة ك«الأوبك» و«الأوابك» وغيرهما، وبالتالي الحضور الفاعل في غير محفل إقليمي ودولي ذات وزن مقرر.

إن انتخاب الإمارات في عضوية المجلس للمرة الأولى في منتصف ثمانينات القرن الماضي كان نتاج حضور فاعل في معالجة العديد من القضايا الهامة، حيث لعبت دوراً متميزاً بالنظر لسياستها الخارجية المقبولة من دول ذات وزن مرموق إقليمياً، إضافة إلى احتفاظها بعلاقات حميمة مع مختلف دول العالم بخاصة ذات الشأن في منطقة الخليج العربي. كما تلعب الإمارات اليوم أدواراً محورية على الصعد السياسية والاقتصادية والمالية، وتمارس سياسات ذات بعد إقليمي في حل النزاعات القائمة في الشرق الأوسط، وهي أدوار تتقدم بها بخطى ثابتة نحو أهداف محددة.

الإمارات التي حلقت مؤخراً بعيداً عن كوكبنا باتجاه كوكب المريخ عبر مسبار الأمل، تدخل قريباً مجلس الأمن بواقعية البحث عن مجتمع السعادة الذي سعت إليه وكرسته في أطر تنفيذية يبنى عليها.. واليوم تدخل الإمارات مجدداً إلى مستويات دولية أرقى عمادها المشاركة في صنع السلام الدولي والتنمية ونشر الوئام وغيرها من القيم النبيلة التي لطالما تميزت بالقيام بها.

* رئيس قسم العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في القانون الدولي .. رئيس قسم العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية واستاذ القانون الدولي والدبلوماسي فيها .. له أكثر من 40 مؤلفاً ومئات المقالات والدراسات البحثية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"