عادي

«الطقس المتطرف» يهدد العالم

01:16 صباحا
قراءة 4 دقائق
1
1
1

كتب: وائل لبيب

«عالم بلا جليد يهدد مئات الملايين بالموت حرقاً أو غرقاً وجوعاً».. صورة مأساوية لحياة يتوقعها العلماء لكوكبنا، نتيجة الطقس المتطرف الذي يضرب حالياً بقسوة، مناطق واسعة حول العالم، بعدما ارتفعت درجات الحرارة بشكل قياسي في دول عدة، متسببة في حرائق غابات مروعة، وذوبان كميات هائلة من الثلوج، وفيضانات غير مسبوقة شهدتها أوروبا وآسيا أودت بحياة المئات، في كوارث ربطت جميعها بالتغير المناخي.

يربط خبراء ومتخصصون جحيم الحرائق الذي تشهده دول شرق أوروبا وأمريكا الشمالية، حالياً بظاهرة الاحترار؛ إذ تجاوزت حرارة سطح الأرض 50 درجة مئوية في قبرص وتركيا للمرة الثانية خلال شهر، فيما سجلت اليونان أعلى درجات لها على الإطلاق ب46.3 درجة مئوية.

وامتدت حرائق الغابات المروعة لتشمل منطقة شرق البحر المتوسط، من تركيا إلى اليونان وإيطاليا، في واحدة من أسوأ الكوارث البيئية على الإطلاق في تلك المنطقة، متسببة في سقوط عدد من القتلى، ومدمرة آلاف الهكتارات، تناقلت معها وسائل الإعلام صوراً مروعة من المأساة.

ومنذ أكثر من شهر يعاني الغرب الأمريكي حرائق مدمرة عزتها السلطات إلى تفشي الجفاف، بسبب التغير المناخي بعد تحطيم درجات الحرارة القياسية في مناطق عدة؛ إذ سجلت ولاية واشنطن في أقصى الشمال الغربي للولايات المتحدة 43 درجة أوائل الشهر الماضي، في حين كانت سابقاً لا تتعدى ال30.

اجتياح غير مسبوق

وبشكل غير مسبوق، اجتاحت ظاهرة الطقس المتطرف مناطق عدة حول العالم، كانت معروفة ببرودة طقسها، كما هي الحال في مقاطعة كولومبيا البريطانية الكندية التي سجلت 49 درجة مئوية.

وقبل أيام قليلة اجتاحت فيضانات كارثية دولاً عدة في آسيا وأوروبا، بشكل غير مسبوق، أبرزها الصين؛ حيث تجاوز عدد القتلى 300، بينما تعدى ضحاياها في ألمانيا وبلجيكا 220 شخصاً، بعدما غمرت السيول المناطق المأهولة بالسكان. ووصلت أضرارها حتى لوكسمبورج وهولندا وسويسرا. ووقعت الكارثة بعدما تعرضت تلك المناطق إلى أمطار غزيرة بلغ منسوبها خلال يوم ما يوازي معدلها طوال عام.

وأشعلت كارثة الفيضانات الأخيرة جدلاً واسعاً في أوروبا والصين حول مدى جاهزية أنظمة الوقاية من الفيضان. وبعد تسجيل تلك الخسائر الضخمة، اعترف علماء ومؤسسات علمية بالفشل في توقع حجمها. وبسبب ظاهرة الاحترار يتنامى خطر الفيضانات المفاجئة حول العالم؛ إذ حذرت دراسة حديثة من أنه بحلول عام 2030، سيواجه ملايين آخرون فيضانات متزايدة بسبب التغير المناخي. ووقعت أغلب الفيضانات قرب أحواض الأنهار الشهيرة بكثافة سكانها.

كما يهدد التغير المناخي باختفاء مدن عدة على وجه الأرض، وخلال العقود القليلة المقبلة يتوقع أن تهدد 640 مليون إنسان؛ وذلك في حالة استمرار تآكل الغطاء الجليدي في القطبين، وارتفاع منسوب البحار. ويشمل هذا الخطر مدناً أوروبية عدة ستكون تحت الماء في غضون 50 عاماً، مثل البندقية ولندن ولشبونة وبوردو وأنتويرب وأمستردام التي ستصبح غير صالحة للسكن؛ بسبب الفيضانات المستمرة.

براثن الجوع

وتزامناً مع التغير المناخي، سيقع الملايين حول العالم في براثن الجوع؛ إذ تؤكد التقارير أن ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض بأكثر من درجتين مئويتين، سيؤدي إلى اضطرابات في الإمدادات الغذائية على مستوى العالم، وسيؤدي بالتالي إلى نزوح جماعي.

كما سيطال الجفاف مساحات خضراء واسعة، ويجعلها غير قابلة للزراعة.

ويحذر علماء من تواصل تآكل الغطاء الجليدي للأرض، الذي تزايدت وتيرته في العقود الأخيرة بشكل مخيف بسبب ارتفاع درجة الحرارة؛ إذ رصد العلماء الأسبوع الماضي، تآكلاً في الغطاء الجليدي لجزيرة جرينلاند خلال يوم واحد يكفي لتغطية مساحة ولاية فلوريدا بأكملها بالماء بارتفاع بوصتين.

وتشير التقديرات إلى ذوبان 28 تريليون طن متري من الجليد حول العالم منذ منتصف التسعينات، بات معها معدل الذوبان السنوي الآن، أسرع 57% مما كان عليه قبل ثلاثة عقود. وفي حال ذوبان الغطاء الجليدي بشكل كامل في تلك المنطقة سيرتفع مستوى مياه البحر بمقدار 7 أمتار، ما يعني اختفاء مناطق شاسعة تحت المياه التي ستكتسح المناطق المنخفضة في الكرة الأرضية.

المناخ والأولمبياد

وألقت أزمة المناخ بظلالها مؤخراً على أولمبياد طوكيو الحالي؛ إذ أصيب بعض المتسابقين بفقدان الوعي في نهاية السباقات بسبب ارتفاع درجة الحرارة، فيما بدت علامات الإجهاد على آخرين خلال الفعاليات الرياضية التي شهدتها المدينة المعروفة بارتفاع درجة حرارتها، والتي شهدت قبل سنوات قليلة موجة حارة قاتلة أودت بحياة أكثر من ألف شخص.

ويترك التغير المناخي تداعيات صحية خطرة على سكان الأرض؛ إذ يسمح ارتفاع درجة الحرارة بمناخ لانتشار الأمراض غير المعدية، والأخرى المرتبطة بنوعية الهواء الرديئة، والتعرض لأشعة الأوزون. كما ستزيد أمراض الرئة والقلب بشكل خطر.

ويطالب العلماء حول العالم بإعلان حالة الطوارئ المناخية لإنقاذ البشرية من حظر الوقود الأحفوري، واستعادة التنوع البيولوجي لكبح جماح ظاهرة الاحتباس الحراري. وشكل اتفاق باريس للمناخ الموقع عام 2015 بصيص أمل للدول الواقعة تحت التهديد؛ إذ يهدف الاتفاق إلى الحد بشكل كبير من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، والحد من زيادة درجة الحرارة العالمية في هذا القرن إلى درجتين مئويتين. لكن الاتفاقية التي وقعت عليها 189 دولة ليست بمنأى عن التجاذبات السياسية، بعدما أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب انسحابه منها، موجهاً ضربة للجهود الدولية في هذا المجال، قبل أن يعيد الرئيس الحالي جو بايدن بلاده إليها.

 «اعملوا الآن»
لتجنب هذا السيناريو المرعب، أطلقت الأمم المتحدة الشهر الماضي، حملة «اعملوا الآن»، للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري والعناية بكوكب الأرض، مشددة على ضرورة خفض انبعاثات الغازات الدفيئة إلى صفر بحلول عام 2050. ويعقد الملايين آمالاً كبيرة حول قمة جلاسكو المقبلة في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، التي سيحضرها 197 من قادة الدول للخروج بحلول عملية وعاجلة، لوقف هذا الخطر الداهم وإنقاذ البشرية من مصير بات حتمياً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"