في الأزمات تعود الحكومات إلى قيادة الاقتصادات

22:43 مساء
قراءة 3 دقائق

د. علي توفيق الصادق *

تفيد أدبيات التنمية بأن دور الحكومات في الشؤون الاقتصادية كان دوراً تنظيمياً مهتماً بمسائل النظام والقانون والأمن والدفاع، وتحصيل الإيرادات وضبط النشاطات الصناعية والتجارية. في ظل الدور التنظيمي كانت مسؤوليات الحكومة بسيطة، وقد انعكس الدور المحدود في النشاط الاقتصادي على حصة الإنفاق الحكومي من الناتج المحلي الإجمالي التي بلغت 10% في الولايات المتحدة الأمريكية، و8% في السويد و19% في فرنسا في عام 1929. 

وقد ازداد دور الحكومة في النشاط الاقتصادي في أعقاب الحرب العالمية الثانية، حيث زادت حصة الإنفاق الحكومي من الناتج المحلي الإجمالي زيادة كبيرة في بعض الدول الصناعية إلى ما بين 18 و35% في علم 1960.

وجاء التوسع في حصة الحكومة مصاحباً لتوسع دور الحكومة في النشاط الاقتصادي وانتقاله من دور تنظيمي إلى دور إنمائي. في ظل الدور الإنمائي للحكومة، بدأت بلدان عديدة بتوسيع مجالات نشاطاتها الاقتصادية والاجتماعية بسبب التأثيرات المتراكمة للانهيار العظيم في الثلاثينات من القرن الماضي، والحرب العالمية الثانية وإعادة البناء. وقد أدى الوضع القائم إلى تولي الحكومة مسؤوليات جديدة في جميع النواحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إضافة إلى دورها التنظيمي، وأخذ دورها يقترب من دولة الرفاه. في ضوء التحول الفكري لدور الحكومة في النشاط الاقتصادي، بدأت دول صناعية ونامية في إعداد برامج عامة متشعبة في مجالات التنمية الحضرية والتخطيط وحماية البيئة، والسياسة الصناعية، والصحة والتعليم والرفاه الاجتماعي.

في ظل الدور الإنمائي للحكومة لم تكن الإنجازات دون المستوى المتوقع فقط؛ بل كان على الإدارة الاقتصادية أن تواجه في عقد الثمانينات من القرن الماضي، عدداً من المسائل الاقتصادية والمالية الضاغطة: أزمة المديونية الخارجية العالمية، وخلل موازين المدفوعات، وتباطؤ معدلات النمو، وازدياد الفقر في أنحاء كثيرة من العالم، وتقلبات أسواق الصرف. 

وفي ظل تلك الأوضاع أُثيرت تساؤلات حول التنمية المنشودة وقدرة القطاع العام على إدارة الاقتصاد، وتخصيص الموارد بكفاءة. 

وفي عقد الثمانينات من القرن الماضي بدأ دور جديد يبرز للحكومة، هو الدور التصحيحي الذي ارتكز على فكر جديد للتنمية باعتبارها أولاً تتمحور حول الناس، وتلبي الحاجات الأساسية لهم، وثانياً مستمرة وعادلة اجتماعياً، وسليمة بيئياً، ومعتمدة غلى النفس؛ أي استخدام أقصى قدر متاح من القدرات الذاتية المحلية. 

وتبلور تصحيح دور الحكومة في استراتيجية التنمية المعززة للسوق، التي ترتكز على العلاقة بين الحكومة والأسواق في أربع قضايا مهمة هي: التنمية البشرية، والاقتصاد المحلي، والاقتصاد الدولي، والسياسة الاقتصادية الكلية. السؤال الذي طرح يتعلق بتنفيذ الاستراتيجية الجديدة في ظل البيئة الاقتصادية التي تتسم بالإقليمية في ظل العولمة، وانفتاح الاقتصادات العملاقة والاقتصادات الصغيرة، وتوسع ونمو الشركات عابرة الحدود الوطنية. 

التركيز في الدور التصحيحي على تقسيم العمل بين الأسواق والحكومة، وعلى الحكومة أن تقلّص نشاطها في القطاعات والنشاطات التي يستطيع القطاع الخاص أن يؤدي العمل فيها بشكل أفضل. 

ويذكر في هذا السياق أن القطاع الخاص لا يعمل في فراغ، وهو بحاجة إلى بيئة اقتصادية تتجسد في إطار سياسة اقتصادية كلية سليمة بحيث تتم المعاملات الاقتصادية بكفاءة. 

ويبقى للحكومة دور مهم في تخفيض الفقر وتحسين مستوى المعيشة، والمحافظة على البيئة. ويبرز دور الحكومة في الأزمات. 

ففي الأزمة المالية العالمية التي برزت في أعقاب انهيار المؤسسة العالمية المالية الشهيرة «ليمان براذرز» في سبتمبر/أيلول 2008، تولت الحكومة في معظم البلدان، مساندة القطاع الخاص بالقروض وبسياسات تحافظ على استمرارية النشاط الاقتصادي. 

وفي ظل جائحة «كورونا» تبنت الحكومة في معظم البلدان، سياسة اقتصادية مالية ونقدية توسعية وغير تقليدية، وعملت  وما زالت تعمل  على المحافظة على الإنسان والنشاط الاقتصادي والمؤسسات، وبرز دور الحكومة كمنقذ للبلاد بشقيها الإنساني والاقتصادي، وبالتالي عودة الحكومة إلى مقعد القيادة.

*مستشار اقتصادي ومالي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

خبير مالي وإقتصادي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"