لبنان يحتاج إلى العرب

00:29 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد نورالدين

قبل عام عصف ببيروت انفجار قيل إنه الثالث في العالم من حيث القوة. والثابت أنه الأكبر في تاريخ لبنان القديم والحديث. المسألة ليست هنا. فالانفجار جاء في سياق أكبر انهيار مالي واقتصادي وسياسي أيضاً عرفه لبنان في تاريخه الحديث. وعلى الرغم من مرور ما يقارب العام على الانفجار وعامين على الانهيار، فإن كل القضايا تراوح مكانها كما لو أن شيئاً لم يحصل.

ما يثير الاستغراب العميق أنه في بلد بات في قاع الهاوية لا تجد الطبقة السياسية سبيلاً إلى تشكيل حكومة جديدة توقف الانهيار وتنهض بالعباد بعد أن استقال رئيس الحكومة الحالي حسان دياب بعد انفجار المرفأ في الرابع من أغسطس في العام الماضي.

وإذا فتش المراقبون عن السبب وجدوا أن اللاعبين المحليين شأنهم شأن رجال الدين البيزنطيين الذين كانوا عام 1453 يبحثون في جنس الملائكة فيما كان السلطان محمد الفاتح يتهيأ لمحاصرة المدينة واحتلالها.

وقد أظهر المسؤولون اللبنانيون بكل اتجاهاتهم السياسية، أنهم يعيشون غربة قاتلة عن الناس وهمومهم واحتياجاتهم. بل يضرب المثل بأحد الزعماء أنه لا يعرف حتى سعر ربطة الخبز.

لقد غرقت الطبقة السياسية في شر أطماعها وأهوائها الشخصية والفئوية. والتف حبل الطائفية على أعناق رموزها حتى عجزوا عن الفكاك منه علماً بأنهم لا يريدون مثل هذا الفكاك لأنه أحد مصادر مداخيلهم المجنية من أموال الناس المحتجزة في المصارف.

في الظروف العادية تلجأ القوى السياسية أحياناً إلى مناورات وحكومات وحدة وطنية فكيف في ظروف هي الأسوأ في تاريخ لبنان؟ وهل يعقل ألا تتشكل حكومة إنقاذ لمواجهة هذا الانهيار؟ بل يتمسك كل طرف، وكلهم على غير حق، بما يعتبرونه ضمانة لهم مثل الحصص الطائفية والحصص الخدماتية. كادت الوزارات في لبنان تكون حكراً على طوائف معينة بل أحزاب معينة. ومع أن الانهيار أسقط كل الوزارات «الدسمة» لا تزال الطبقة السياسية تتمسك بفسادها وامتلاك الحق الحصري لتنال هذه الوزارة أو تلك طمعاً بمغانم اقتصادية أو سياسية لم تشبع منها منذ عقود وهي قابعة على رقاب العباد. والأفظع أن ذلك يحدث فيما الحكومة الحالية مستقيلة ورئيسها يقول إن الدستور يحول دون أن تجتمع وتأخذ قرارات، علماً بأنها تأخذ قرارات بطريقة ملتوية وبحسب المزاج فتمر القرارات على الوزراء بشكل أحادي وتمشي الأمور. أي أن الناس بالعربي الصريح متروكة لحالها مثل الإبل «سارحة والرب راعيها».

وإذا كان الفرقاء المحليون مقصرين عن أداء واجباتهم في حدها الأدنى، فإن الأطراف الخارجية المعنية بلبنان تمارس سياسات تعذيب ماراتونية بحق اللبنانيين، كل اللبنانيين. فتمارس الاعتراض على علاقات محتملة مع دولة دون أخرى وفي الوقت نفسه لا أحد يمد يده إلى لبنان.

فلطالما كان لبنان منتجعاً للعرب ومستشفى وملهى وجامعة. ولطالما استغنى العرب عن أوروبا وفضلوا لبنان؛ حيث جمال الطبيعة جبلاً وبحراً، والحرية في نمط العيش ومعرفة اللغة العربية وهذه نقطة مهمة يدركها من يخرج للسياحة دورياً، كما كان مقصداً لكثير من شعوب العالم الذين وجدوا فيه مبتغاهم جمالاً وسحراً وطيبة وسياحة. ومع ذلك عندما وقع لبنان وتعرض للانهيار، لم يبادر أحد لا من الشرق ولا من الغرب لمد يد المساعدة ولو بهبات مالية لتأمين المازوت والبنزين والدواء ولمرحلة مؤقتة ريثما يستطيع لبنان الوقوف على رجليه. عقدت من أجله مؤتمرات دولية خلصت إلى إعلانات عن مساعدات قد لا تصل في معظم الأحيان، ونستطيع أن نستثني الإمارات التي قدمت ما يفوق ال 120 مليون دولار خلال السنوات الخمس الماضية، والسعودية التي قدمت ما يقارب المليار دولار أيضاً. 

إن لبنان يستحق كل دعم ومساعدة في الظرف الراهن نتيجة المآسي التي يعيشها شعبه رغماً عنه. وليس من المقبول أن يُلفظ لبنان بعدما تم الإمعان في امتصاص خيراته وملذاته، وأن يرمى من بعدها جثة نتنة على قارعة الطريق. اللبنانيون باتوا على يقين أن الدول الغربية هي في النهاية لا تتحسس مشكلات الآخرين وهي التي تعودت على استعمار العالم منذ أكثر من ثلاثة قرون.

وفي النهاية، فإن لبنان الغارق في موته حتى الجنون يحتاج إلى معجزة وحبذا لو التأمت جامعة الدول العربية في اجتماع عاجل لبحث سبل مد العون وإبقاء لبنان على قيد الحياة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

باحث ومؤرخ متخصص في الشؤون التركية .. أستاذ التاريخ واللغة التركية في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية.. له أكثر من 20 مؤلفاً وعدد من الأبحاث والمقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"