بايدن وغيابه الإعلامي المتعمد

00:38 صباحا
قراءة 3 دقائق

عاصم عبد الخالق

لا ينعم أي رئيس أمريكي بشهر عسل سياسي حقيقي بعد انتخابه. قبل أن يتخذ قراراً أو يتبنّى موقفاً أو يُبدي رأياً تنهال عليه الانتقادات، وتحاصره الاتهامات ويغرق في دوامة عشرات الأزمات والقضايا التي تكون في انتظاره. والرئيس الحالي جو بايدن، مثل غيره ممن سبقوه، كان وما زال وسيظل هدفاً لسهام الإعلام والسياسيين من خصومه الذين يضعونه في مقارنة دائماً مع رئيسهم السابق دونالد ترامب.

أحد أقوى الانتقادات الجمهورية المvوجهة إليه، أنه ليس مثل ترامب. يقولون إنه بلا حضور ولا تأثير ويفتقد الكاريزما. شخصية باهتة منطفئة يكاد الناخبون ينسون وجودها. حتى إن مجلة ناشيونال ريفيو اليمينية نشرت تقريراً وضعت له عنواناً هو الرئيس غير الموجود.

هناك تيار قوي بين الجمهوريين وغيرهم يعتبر ترامب هو النموذج، من يختلف عنه لابد أنه يقف على الجانب الخاطئ. ترامب كان يهوى المعارك، إن لم يجدها افتعلها، كان صاخباً هادراً حاداً مندفعاً في كل شيء: مواقفه، تصريحاته، سياساته. أكسبته كلماته النارية عداوات بلا حصر، غير أنها عادت عليه بالنفع أيضاً من جمهور رأى فيه الزعيم القوي. لم يلتزم بأي قيود أو حدود أخلاقية في معاركه ضد خصومه، وحتى حلفاؤه لم يسلموا من لسانه. جاء ترامب من خارج النخبة السياسية التقليدية ولذلك لم يلتزم بقواعدها، كان مختلفاً في كل شيء.

يمثل بايدن العكس تماماً: شخصية هادئة، توافقية، تصالحية. يتكلم قليلاً ولا يتهم أحداً. يسعى إلى مد جسور التفاهم مع الجميع، يؤمن بالعمل الدبلوماسي وهو ابن المؤسسة، كما يقولون جاء من قلبها، تسبقه نحو 40 سنة من العمل السياسي، لذلك فهو رئيس تقليدي وهو حريص على ترسيخ هذا المعنى.

يراهن الجمهوريون على أن التناقض بين الشخصيتين سيصب في مصلحتهم في النهاية. ويسعون إلى إقناع الرأي العام بأن بايدن ضعيف وممل. يدللون على ذلك بضعف الإقبال الجماهيري على متابعته إعلامياً. وعلى سبيل المثال في حديثه لشبكة «سي إن إن» لم يزد عدد المتابعين على 1,5 مليون مشاهد، في حين زاد عدد مشاهدي قناتي «فوكس نيوز» و«إم إس إن بي سي» عن ذلك، حيث استمرتا في بث برامجهما العادية. وفي أول خطاب له أمام الكونجرس بمجلسيه، تابعه نحو 27 مليون مشاهد، في حين بلغ عدد من تابعوا أول خطاب لترامب نحو 48 مليون مشاهد.

معنى هذا، كما يقولون، أن الناس لا يهتمون بالرئيس. لا ينتظر أحد سماعه، وليس هناك من يتحرق شوقاً إلى رؤيته. بايدن في رأيهم رئيس من زمن مضى؛ أي قبل عصر الانتشار الإعلامي عندما كان من النادر رؤية أو سماع الرئيس.

في المقابل لا يمكن افتراض غياب هذه الصورة عن مستشاري بايدن، وبالطبع ليسوا غافلين عما يقوله الجمهوريون. المؤكد أن غيابه الإعلامي النسبي متعمد ومحسوب بدقة.

منذ بداية حملته الانتخابية تنبّه بايدن وفريقه إلى أهمية تجنب أسلوب وتكتيكات ترامب، والبعد عن المشاجرات. كان من الخطأ القاتل أن يستدرجه ترامب إلى ملعبه ليخوض الحرب بنفس أسلحته. وما دامت هذه الاستراتيجية قد نجحت وأوصلته إلى البيت الأبيض، فلماذا يتخلى عنها الآن.

التركيز على أوجه الاختلاف مع الرئيس السابق سياسة متعمدة منذ البداية لترسيخ صورة الرئيس التقليدي الرزين الذي جاء ليعيد الهدوء إلى الرئاسة؛ بل إلى أمريكا كلها.

وعلى الرغم من ذلك، فلا يوجد ما يضمن أن تأتي الرياح بما يشتهي، فربما تُفرض عليه معركة من حيث لا يحتسب، وقد تضعه الأقدار في قلب عاصفة لم يتوقعها. عندما انتخب جورج بوش الابن كانت أمريكا تعيش أجواء هدوء تقليدية، وكان الرئيس الجديد بلا هدف تقريباً، وشعبيته متدنية، ولا أحد يتوقع منه الكثير. ثم جاء زلزال 11 سبتمبر ليصبح بوش هو رجل الساعة، والبطل الذي تريده أمريكا، ورئيس زمن الحرب، كما سمى نفسه. ولا يعلم غير الله ما تخبئ الأيام لبايدن.

ربما تفرض على الرئيس جو بايدن معركة من حيث لا يحتسب، وقد تضعه الأقدار في قلب عاصفة لم يتوقعها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"