هل التضخم مؤقت؟

22:22 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد *

يوم الاثنين 19 يوليو 2021، أجاب الرئيس بايدن على أسئلة الصحفيين في البيت الأبيض بشأن المخاوف من ارتفاع معدل التضخم، بالقول: «يعتقد خبراؤنا بأن معظم الزيادات في الأسعار التي رأيناها كانت متوقعة، ومن المتوقع أن تكون مؤقتة، والبيانات أيضاً تؤكد ذلك».

فهل كانت فعلاً متوقعة؟ لا يبدو كذلك؛ فمكتب الميزانية في البيت الأبيض، في مقترحه لميزانية الدولة، توقع تضخماً بنسبة 2.1% في عامي 2021 و2022. كما أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي هو الآخر توقع في اجتماع السياسة النقدية لشهر يونيو الماضي، متوسط تضخم لعام 2021 نسبته 3% (كان قد توقعه في مارس 2021 بنسبة 2.2%). في حين جاءت النسبة مخالفة لكل هذه التوقعات: 5.4%.

وهل التضخم فعلاً مؤقت وسيعود إلى مستواه ما قبل جائحة كورونا، يدور حول الهدف المرن الذي أعاد تحديده رئيس مجلس إدارة الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول يوم الخميس 27 أغسطس 2020، وهو معدل وسطي نسبته 2%، من دون إعطاء تعريف محدد للمتوسط الحسابي الذي قصده، والذي يمكن أن يتراوح ما بين الانكماش الخطير، والتضخم بنسبة 3.2% على مدى السنوات الخمس المقبلة؟ أم أن مشكلة ارتفاع التضخم هي مشكلة تتعلق بجانب العرض، كما يقول بعض الاقتصاديين الأمريكيين؟

في حين يعزو الجمهوريون سبب ارتفاع التضخم إلى حزم التحفيز المالي التي طلبها الرئيس بايدن منذ تسلمه الرئاسة مطلع العام الجاري، يرد الرئيس بايدن على ذلك بالقول: إن خطته للإنفاق البالغة 4 تريليونات دولار ستُبقي التضخم تحت السيطرة. معتبراً: «أننا إذا قمنا بتوسيع رقعة إتاحة الرعاية الجيدة للأطفال، ورعاية المسنين، والإجازة مدفوعة الأجر، فلسوف ينخرط المزيد من الناس في صفوف القوى العاملة، وستعمل هذه الخطوات على تعزيز إنتاجيتنا، وما يترتب عليها من رفع للأجور دون رفع الأسعار. وهذا لن يؤدي إلى زيادة التضخم، وإنما سيخفف الضغط الواقع على التضخم، ويعطي دفعة للقوى العاملة لدينا، ما يؤدي إلى انخفاض الأسعار في السنوات المقبلة».

بالمقابل، هناك بعض الاقتصاديين الأمريكيين الذين يعزون جزءاً كبيراً من الزيادة الأخيرة في مؤشر أسعار المستهلكين، إلى الزيادات الحادة في أسعار السيارات، وخاصة السيارات المستعملة. فهي بهذا المعنى مشكلة في العرض، حيث تواجه شركات السيارات أزمة في الحصول على رقائق أشباه الموصلات للإنتاج، فكان أن انخفض إنتاج السيارات الجديدة، وأدى ذلك إلى نقص سمح للشركات برفع أسعار سياراتهم الجديدة. كما أدى ذلك إلى ارتفاع أسعار السيارات المستعملة بشكل أكبر وأسرع من السيارات الجديدة. ووفقاً لصحيفة وول ستريت جورنال، فقد ارتفعت أسعار السيارات الجديدة بنسبة 9.6%، كما ارتفعت أسعار السيارات المستعملة بنسبة 16.7%. وكانت أسعار السيارات قد ارتفعت في العام الماضي بنسبة 21%. وقد شكل ارتفاع أسعار السيارات والشاحنات في شهر إبريل - وهو الأعلى منذ عام 1953 - أكثر من ثلث الزيادة الإجمالية (4.2%) في مؤشر أسعار المستهلكين لشهر إبريل.

أيضاً، فقد أدى الانكماش الاقتصادي لعام 2020، إلى قيام الشركات بتقليل مخزوناتها من السلع غير المباعة، بشكل كبير، ما تسبب في وجود نقص في المخزونات لديها اليوم. وتُظهر الأرقام الأخيرة لإجمالي الناتج المحلي الأمريكي، أن المخزونات انهارت العام الماضي واستمرت في الانكماش في الربع الأول من عام 2021 أيضاً؛ ما أدى إلى خلق حالة سمحت للشركات برفع الأسعار بشكل حاد بسبب نقص العرض. وهذا هو جوهر المشكلة الحادثة اليوم في العديد من الصناعات والشركات الأمريكية. كما رفعت شركات الطيران، والفنادق والمرافق السياحية والخدمية، أسعارها بأكثر من 10%. وفي الأسواق العالمية، ارتفعت أسعار الجملة لسلع مثل الألمنيوم والنحاس والنفط الخام، بحدة، حيث يشتري المضاربون المستثمرون، العقود الآجلة لإعادة بيعها لاحقاً بربح كبير. وما أن تخترق أسعار الجملة المرتفعة، أسعار المستهلك، سترتفع بالضرورة أسعار التجزئة.

فالمسألة لا تتعلق أكثر بالإنفاق التحفيزي المالي، كما يقول الجمهوريون بهدف منع وخفض الإنفاق الذي من شأنه أن يفيد الأسر والاستهلاك الشعبي، بقدر ما تتعلق بالممارسات التجارية ومشاكل العرض، والمضاربات في أسواق سلع العقود المستقبلية. وما دامت هذه العوامل قائمة «بفضل» الظروف التي مازالت تشيعها جائحة كورونا، فإن التضخم، كظاهرة مرافقة، سيبقى إلى حين زوال أسبابه.

* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"