سدرة السرد الإماراتي

00:58 صباحا
قراءة دقيقتين

الحديث عن المرأة الإماراتية ليس حديث مناسبات، بل هو ذاكرة حية لا تنطفئ بفعل جهود المخلصين من أبناء الوطن من أمثال الأستاذ الفاضل الباحث الدكتور حمد بن صراي، والذي يقوم بجهد لا يوصف لحفظ هذا الإرث الإنساني ونقله لنا وللأجيال القادمة من بعدنا، حتى يعلموا أن الاتحاد المبارك حُمل على أكتاف العمالقة من رجال ونساء تصدروا المشاهد الاجتماعية والثقافية والإنسانية، وحفروا في صخر التجربة، ليظل «النشيد» متدفقاً نهراً أخضر في عمر الأرض.
اختار الدكتور صراي في إصداره الأخير «مريم بنت جمعة بن فرج بن نصيب المنقوش» - رحمها الله - المولودة في العام ١٩٥٦، وتناول محطات حياتها كأنموذج رائد في العمل الصحفي والثقافي من خلال لقاء مطول وموثق مع الراحلة، ومقالات استنطقت ذكريات رفاق الرحلة الأستاذ رفعت أبو عساف والأستاذ حارب الظاهري. لقد نبتت «السدرة» في المرحلة الأصعب من تاريخ الوطن، في زمن انسحاب مهنة الغوص وبزوغ مرحلة اقتصاد النفط بتحدياتها الكثيرة التي دفعت الأهالي - ومن بينهم والدها - للسفر إلى الكويت حيث الازدهار، والرفاهية الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية.
لم يكن خيار التعليم متاحاً في تلك الفترة للفتيات لولا إصرار جدتها - رحمهما الله - على انتظام مريم في التعليم في مدرسة الأحمدي، حيث تأثرت بشخصيات المدرسات الفاضلات من جنسيات عربية مختلفة، وزميلات الحرف الأول واللواتي كان بعضهن من «ريحة الدار».
 التعلم كان منذ البداية هو السبيل الوحيد، والقراءة كانت البوابة على البحر «ذي الوجود القوي». لقد تشكلت ملامح شخصية «سدرة السرد الإماراتي» بعيداً عن «البلاد» في الكويت ومن بعدها بغداد وبريطانيا، وبلغات ثلاث هي العربية والإنجليزية والفرنسية، كتبت وترجمت وأضافت لمستها خلال مراحل الريادة الفنية الخالصة التي مثلتها رائدات من أمثال «شيخة الناخي، ظبية خميس وسلمى مطر سيف».
« دهشتي، ميلادي، فأنا ولدت عندما كتبت أولى محاولاتي القصصية» تقول مريم، هي إحدى سيدات القصة القصيرة الإماراتية، فتحت عناوين مثل ضوء، وثقوب، وعبر، طرحت تساؤلاتها حول الثقافة والقيم والواقع، وعلاقة الإنسان بكل ذلك خاصة وهو يعايش تبدلات على مستوى المُعاش اليومي، والمشاعر المرتبكة، والمنظور الاجتماعي. ورغم توقفها«الوفي» بسبب ظروف مرض والدتها، إلا أنها ظلت محتفظة بنظرتها الخاصة للكاتب الجاد وللثقافة والمثقف الحقيقي والتي تتلخص في «المسؤولية». 
بقيت مريم فرج - رحمها الله - حتى هذه اللحظة التي يستعيد فيها القارئ حوارها المكتوب، رمزاً للتفاؤل والمحبة والصمود في وجه الارتباك بجميع مستوياته، فلا خلاف يعلو على الأخوّة الروحية التي جمعتها بالكثيرين في المشهد الثقافي الإماراتي، وهي المساهمة في صياغة ملامحه حتى إغماضتها الأخيرة في الثاني من ديسمبر 2019.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"