تغيرات الطبيعة وأثرها على الإنسان

00:24 صباحا
قراءة 3 دقائق

أحمد مصطفى

حرائق تركيا واليونان وغيرهما من دول جنوب شرق أوروبا، فاقت ما تغطيه الأخبار عن حرائق كاليفورنيا في الغرب الأمريكي وأستراليا. ولعل العالم ما زال يتذكر صور حرائق أستراليا قبل أكثر من عام حين لم توفر الزرع والحيوان وطالت الإنسان كذلك. كل هذه الحرائق نتيجة ارتفاع درجات الحرارة في أنحاء مختلفة من الكرة الأرضية هي نذير خطر محدق بالكوكب الذي نعيش عليه مع ارتفاع متوسط درجات حرارته نتيجة فعل الإنسان، خاصة انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري والتغير المناخي في مقدمتها غازات الكربون.

تصور كثيرون أن عام وباء كورونا، السنة الماضية 2020، ومع عمليات الإغلاق والحجر الجماعي للحد من انتشار الفيروس، أدى إلى تخفيف حدة التغير المناخي. فلا مركبات كثيرة في الشوارع ولا طائرات في الجو تحرق البنزين والديزل وتملأ الغلاف الجوي بغازات الكربون ولا أعمال كثيرة تستهلك طاقة يحتاج توليدها إلى مزيد من الانبعاثات. لكن الحقيقة كما جاء في تقرير الفريق الحكومي للتغير المناخي، أن العام الماضي كان أكثر الأعوام ارتفاعاً في درجة حرارة الأرض، وأن العقد الأخير كان أكثر عقد ارتفاعاً في درجات الحرارة.

نشهد ذلك بالفعل، ليس فقط في زيادة حدة واتساع نطاق الحرائق، وأنها تطال أماكن أكثر كل عام؛ بل إن هناك تغيرات أخرى ربما لا يلمس البشر تأثيرها المباشر فوراً، لكنها تراكم تغيرات يتوالى تأثيرها تباعاً. هل لاحظ أحد أن أكثر منطقة في العالم برودة إلى حد التجمد، في شمال شرقي روسيا، تشهد حرائق بسبب ارتفاع درجات الحرارة هذا الصيف؟ هل انتبهنا إلى تضاعف كميات الجليد التي تذوب في المناطق القطبية الشمالية والجنوبية؟. 

فحسب تقرير فريق المناخ الدولي، زادت سخونة التيارات الهوائية على المناطق القطبية بشكل غير مسبوق.

مشكلة الذوبان الجليدي ليس فقط في أنها مؤشر على ارتفاع درجة حرارة الأرض؛ بل لأن هذا الذوبان يخل بالتوازن الطبيعي بين المياه واليابسة على الكوكب. فذوبان الجليد بهذه الكميات الهائلة يرفع منسوب المياه في البحار والمحيطات، ليس هذا فحسب؛ بل إن ارتفاع منسوب المياه مع سخونة الهواء نتيجة ارتفاع درجات حرارة الأرض يزيد من كميات البخار والتكثف للسحب، ما يؤدي إلى منسوب أكبر من الأمطار. 

صحيح أن أغلب الدول الصناعية الكبرى الملوثة للبيئة، تعهدت بخفض الانبعاثات الكربونية بمواعيد تتراوح ما بين عامي 2030 و2050. لكن السياسات المعلنة حتى الآن قد لا تكون كافية. في القلب من تلك الخطط، التحول تماماً إلى استخدام وسائل النقل الكهربائية. لكن هذا سيعني مضاعفة الطلب العالمي على الكهرباء، وبالتالي الحاجة لمضاعفة إنتاجها من محطات تعمل حت الآن في أغلبها إما بالفحم أو مشتقات النفط والغاز. صحيح أن هناك توجهاً لإحلال محطات طاقة تعمل بالغاز محل المحطات التي تعمل بالفحم، لكن في النهاية ومع زيادة الطلب لن يكون خفض الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري كما يجب لوقف التغير المناخي.

قد يرى البعض أن الحل في زيادة الاستثمارات في مصادر الطاقة المستدامة والخضراء، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. مع ذلك لن يتراجع الطلب العالمي على النفط والغاز؛ بل إنه مرشح للزيادة بمعدلات سنوية كبيرة في العقد أو العقدين القادمين. ربما يكون الحل الأمثل هو في تحول العالم لإنتاج الطاقة من محطات تعمل بالمفاعلات النووية. فذلك في النهاية الخيار الأفضل وأكثر صداقة للبيئة. إنما سيظل ذلك خياراً محدوداً، ليس لأسباب الكلفة العالية التي يمكن لتطور التكنولوجيا أن يقللها إنما لمحدودية ما على الأرض من عنصر اليورانيوم – المغذي الأساسي للمفاعلات النووية. وتلك مشكلة أخرى لها علاقة بالاستدامة البيئية. فعنصر الليثيوم مثلاً المستخدم في بطاريات تخزين الطاقة من الشمس أو الرياح هو أيضاً من ضمن ما تسمى «المعادن النادرة» التي تشهد سباقاً محموماً بين الاقتصادات الكبرى على التحكم فيها.

كل ذلك سيكون مطروحاً أمام قمة المناخ العالمية التي تستضيفها بريطانيا في جلاسكو في شهر نوفمبر القادم. وسيراجع الخبراء والمسؤولين من الدول الموقعة على اتفاق المناخ في قمة باريس عام 2015 ما تم إنجازه في مكافحة التغيرات المناخية. لكن هؤلاء أيضاً سيواجهون حقيقة ما يشهده العالم من زيادة متغيرات الطبيعة بالشكل الذي يجعل الحديث عن استراتيجيات تمتد لعقود نوعاً من الترف. فالعالم بحاجة إلى التحرك بقوة وبسرعة، الآن الآن وليس غداً. فكلما طال أمد إجراءات البشر لتقليل تغيرات الطبيعة عليهم، كلما زاد هذا الأمر ليفرز ما هو أكثر من الحرائق والفيضانات والتسونامي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"