البطولة للمناخ

00:13 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

شهدت السنوات القليلة الماضية الكثير من التحذيرات التي أطلقتها جهات عدة في ما يتعلق باحترار الأرض، ففي أكتوبر من عام 2018 عنونت مجموعة من العلماء تحذيرها ب «النداء الأخير لإنقاذ الأرض»، وأكد التحذير أن ارتفاع الحرارة بمقدار 3 درجات مئوية، خلال العقود القليلة المقبلة، سيكون له نتائج كارثية على مختلف أوجه الحياة. 

ويبدو أن معظم الحكومات لم تضع مسألة التغيرات المناخية في مقدمة أولوياتها، برغم تلك الحرائق الدورية التي تشهدها بعض البلدان في مثل هذا الوقت من كل عام، ويبدو أيضاً أن قطاعاً كبيراً من البشر لا يلتفت إلى هذه المسألة، انطلاقاً من أن الحل يكمن في أيدي السياسيين والعلماء، أو أن الإعلام يضخم المشكلة.

ولكن التغيرات المناخية حقيقة تاريخية، بل هناك من يمنحها دور البطولة في أحداث التاريخ المفصلية: الحروب، الأوبئة، المجاعات، وانهيار الحضارات..إلخ. لقد حدثت كل هذه الوقائع نتيجة لتغير المناخ، بل يوجد من يذهب أبعد من ذلك، فالمناخ كانت له الكلمة الفصل في تطور البشر، فانقراض بعض الكائنات والحيوانات، وما صاحب ذلك من اعتدال نسبي في درجات الحرارة قبل آلاف السنين سمح بظهور الإنسان واكتشاف الزراعة، ومن ثم الاستقرار وبناء الحضارة وإنتاج الثقافة.

لم يلعب المناخ الدور الأساسي في تطور البشر وحسب، ولكن في تمييز الشعوب أيضاً، فالعلماء يطلقون سمات نفسية وجسدية على هذا الشعب أو ذاك، نتيجة للمناخ الذي يعيش فيه، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فنحن نعلم مثلاً أن الشرق بشمسه الساطعة ومياهه الدافئة، كان حلماً داعب الغربيين على مستويات عدة، بدأت بالاستشراق ولم تتوقف عند الاستعمار. ونعرف أيضاً أن التحليل الاقتصادي للماركسية، اعتبر أن الرغبة في الهيمنة على موارد الآخرين أساس الاستعمار، ولكن السبب الأهم في وفرة الموارد، تمثل دائماً في عامل المناخ. وعندما كانت الأرض تجدب لسنوات طويلة، نتيجة للجفاف كان الكثير من البشر ينتقلون من منطقة إلى أخرى، في ما عرف بالهجرات التاريخية الكبرى، وما كان يصحبها من حروب ونزاعات، أما الأعمال الأدبية والفنية التي انتجها البعض نتيجة لتغير المناخ، فلا حصر لها.

إن التحذير الذي أطلقته الهيئة الدولية المعنية بتغير المناخ، يوم الاثنين الماضي، لن يكون الأخير، ولا يتعلق بدولة دون أخرى، ولكنه يخص البشر كلهم، والحل سيكون عبر إدراكنا أن المناخ عامل حاسم في مسار الحضارة، ومسألة حياة أو موت بالنسبة للجميع، بعيداً عن ألاعيب السياسيين أو طمع وأنانية طبقة لا تريد أن تتنازل عن جزء من مصالحها التي تتمثل في استمرار الأوضاع على ما هي عليه، فالكثير من الكتب التي صدرت مؤخراً ترسم سيناريوهات مخيفة لاحترار الأرض، لعل أبسطها ما نقرأه في الصحف ووسائل الإعلام، فالأمور لن تتوقف عند انهيارات الثلوج أو تآكل السواحل، ولكن سيكون هناك تداعيات سياسية واجتماعية واقتصادية غير مسبوقة، تداعيات ستضع أخلاق البشر وقدرتهم على التضامن في أزمة لم نعرفها من قبل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"