إبداع اصطناعي في الأفق

كيف سيكون أثر الذكاء الاصطناعي في الإبداع الموسيقي؟ الجواب يتطلب تحديد الجغرافيا. في الغرب، التجربة الحاسوبية الأولى في الموسيقى كانت سنة 1957، ولا يمكن بأي حال مقارنتها بالتقانة الحاضرة. أمّا في العالم العربي فالتلحين لم تتغيّر آليّاته، فلم يعرف تاريخ موسيقانا التأليف الموسيقي، ولا ذاقت الأذن العربية طعم الموسيقى الجادة العارفة المستقلة. 
في القرن العشرين، ارتقت الأغنية، وهي الشكل الغالب، أكثر من 90%، إلى مستويات رائعة، طوال أربعة عقود أو خمسة. 
فجأة توارى الأساطين مخلّفين حالة من العسير نهوضها من دون جهود أكاديمية رفيعة، تنشأ عنها منظومة قيم فنية تدعمها حركة فكرية ثقافية شاملة. للتوضيح: في فرنسا وألمانيا مثلاً، عشرات مراكز البحوث الموسيقولوجية، وعشرات المجلات المتخصصة في العلوم الموسيقية، والمؤلفون الموسيقيون منهم الكثير من أهل الفكر والنظريات الموسيقية.
تحتاج الموسيقى العربية، كحد أدنى إلى عقدين من العمل العلمي للحاق بالمعلوماتية الموسيقية، في الرقمي، الذكاء الاصطناعي والتعلم المتعمق ضمن تعلم الآلة. مع الدراسة الموسيقية الأساسية، وبعدها يأتي التخصص في التأليف الموسيقي. إذا كان الأساس متيناً، نشر طائر الإبداع جناحيه كما يشاء جنون الفنون.
للحاق بالركب العالمي، سيغدو امتلاك مجالات متعددة ضرورياً. مثلاً: لقد كانت الموسيقولوجيا ميداناً لا يهمّ الموسيقي المبدع لزاماً، يكفيه أن يعرف المساحة الصوتية للآلة، من الدرجة كذا إلى كذا، حتى لا يدوّن لها جملاً لا تستطيع أداءها. اليوم صار الذكاء الاصطناعي يتيح للمؤلف الموسيقي ارتياد آفاق كانت حتى منتصف القرن العشرين، من اختصاص صناعة الآلات الموسيقية. طوال التاريخ كانت للأصوات ثلاثة مصادر: النفخ، الاحتكاك (الوتريات..) والقرع. عصر الكهرباء أضاف الكثير من «الآلات»، ومعها المايكروفون ومكبّرات الصوت. المعلوماتية، الرقمي، الذكاء الاصطناعي ومتتالياته، جعلت ابتكار الآلات والأصوات بلا حدود، ولكل آلة مشتقات. أمّا الآلات المخترعة فأشكالها كأنها من مجرّات أخرى. الرقمي أتاح للمبدع اختراع الآلات والأصوات، وسيكون اللعب على الحناجر الاصطناعية عجائب.
مؤلفو الموسيقى مستقبلاً، سيحتاجون إلى الخوارزميات، إلى جانب دراسة الموسيقى. لهذا من الضروري أن تدخل البرمجة المعلوماتية ضمن المناهج المدرسية، حتى يتدرب الطالب على استخدامها في تخصصه منذ الثانوية، ما يتطلب جرعات مكثفة من الرياضيات حتى في الأدبي.
لزوم ما يلزم: النتيجة الاستباقيّة: على أهل الفكر والثقافة أن يعيدوا النظر في مفاهيم الثقافة والفنون لتجنّب مفاجأة العملة لدى أصحاب الرقيم.
[email protected]