المغرب والجزائر.. تاريخ مشترك

00:14 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد خليفة

العرب أمة واحدة متماسكة تمتد من المحيط غرباً إلى الخليج شرقاً، وسرّ وحدتها وتماسكها أنها تنتمي إلى أصل واحد، ولها كذلك تاريخ مشترك، وتتكلم لغة واحدة.

وقد أسهمت عدة عوامل في غرس بذور التفرقة بين أبناء الأمة الواحدة، أبرزها ذلك الاستعمار الأوروبي الذي جثم على أنفاس الأمة ردحاً من الزمن؛ حيث سعى جاهداً إلى تفتيت الأمة الواحدة، وتقسيمها إلى دول ودويلات حتى ظهرت الدول العربية على صورتها الأخيرة، وقد سلكت كل دولة طريقها المنفرد نحو الاستقلال. ولم تكن دولتا المغرب والجزائر بمنأى عن حال الأمة كلها، فقد أصابهما ما أصاب غيرهما من الدول العربية؛ حيث وقعت الجزائر في قبضة فرنسا، بينما تنازعت فرنسا وإسبانيا السيطرة على المغرب.

وكان المغرب أفضل حظاً؛ إذ كان تحت قيادة ملكية نجحت في إيصال صوت الشعب المغربي إلى العالم، ما اضطر المستعمران، بعد جهاد طويل، إلى الجلاء عن المغرب، بينما دخل الشعب الجزائري في كفاح مرير، وقدم نحو مليوني شهيد حتى نال استقلاله الكامل عن المستعمر الفرنسي، وكان المغرب يقف إلى جانب كفاح الشعب الجزائري، ويدعو فرنسا إلى الجلاء عن أرضه وإعطائه استقلاله. وقد ورثت الأجيال في المغرب والجزائر تلك الخلافات القديمة، التي لا ناقة لها فيها ولا جمل. وقد عبر عن ذلك الملك محمد السادس، في خطاب له في عيد العرش في 31 يوليو 2021؛ حيث دعا الجزائر إلى العمل دون شروط إلى حل الخلافات التاريخية، وإعادة فتح الحدود بين البلدين. وقال: «نحن أخوة فرق بيننا جسم دخيل لا مكان له بيننا، مؤكداً أن المغرب والجزائر أكثر من دولتين جارتين إنهما توأمان متكاملان». 

إن ما جاء في الخطاب الملكي، يؤكد أن المملكة تدعم وتؤيد من يسعى إلى لم الشمل، ويجسد قمة النبل، وهو يمثل خارطة طريق، ورؤية متقدمة للطبيعة الحتمية للعلاقات بين الدولتين الشقيقتين، وهي علاقات أساسها التعاون والتآخي، فليس هناك ما يستحق كل هذه الفرقة بين الأشقاء. فالدولتان اليوم غير الأمس، فهما تتمتعان بخيارات الدول الحرة، وطالما أن الخلاف بينهما هامشي ومفتعل، ولا يمس جوهر وكيان الدولتين، ولا يطال الشعبين الشقيقين، فإن تنمية العلاقات بينهما باتت ضرورة قصوى. 

وها هو المغرب، ممثلاً بملكه، يمد لإخوته الجزائريين يد التعاون والتلاقي، وتجاوز الخلافات البسيطة، والانطلاق إلى العالم يداً واحدة. فتعاون الدولتين سيكون حجر الأساس لإعادة إحياء الاتحاد المغاربي الذي ولد قبل سنوات طوال، وتم وأده بسبب السياسات الخاطئة، وعندما ينشط ذلك الاتحاد فإنه سيعيد الروح في جسد الأمة كلها، لتنهض من جديد، وتثبت وجودها كأمة واحدة أمام العالم كله.

وذلك عندما يتم إدراك العلاقات المتينة بين الإنسان وأخيه الإنسان في هذا العالم، والكون بعامة، بعيداً عن ثقل الحمولات الأيديولوجية المضللة والمبشرة، فضلاً عن كونها لم تعد تصلح للتعامل مع معضلات عصرنا الحافل بمخاطر إشكالية، لن تعمل الأيديولوجيا إلا على إذكاء نارها المستعرة، بالكيفية ذاتها التي لطالما فعلتها في سنوات الحرب الباردة؛ حيث إن ذلك المناخ الإنساني قد شق الوجدان العربي، وجعل العلاقات الاجتماعية بالية متهافتة عزلت الفرد عن مجتمعه، وفرضت عليه نوعاً من اغتراب مرير وحقود. وقد أصبح هذا الصراع القديم والحديث يزداد يوماً بعد يوم بضراوة وشراسة، وأسفر هذا التفاوت بين دول المغرب العربي عن قيام شتى المدارس السياسية، ما أدى إلى هذا الانعطاف في تأزم العلاقات والفكر السياسي بين الشعوب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات. نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"