نهاية الوهم

00:13 صباحا
قراءة دقيقتين

صدقت الأديبة الإماراتية شيخة الجابري، حين كتبت على حسابها في «تويتر» تقول: «ما يجري في أفغانستان ينطبق عليه المثل القائل: (يوم أسلم أنا وناقتي وش عليّ من رفاقتي)».
لم يعد يهم الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين اليوم شيء سوى تأمين خروج جنودها، لا الحكومة الموالية لهم تهمهم، ولا قوات الجيش الأفغاني التي يقولون إنهم دربوها وزودوها بأحدث العتاد، طوال السنوات العشرين التي قضوها هناك.
عقدان من الزمن يبدوان الآن أشبه بالجملة الاعتراضية في سياق متصل، لم تقطع السياق ولم تغير مجراه، فطالبان التي أخرجها الأمريكان من السلطة بالقوة العسكرية عادت إليها ثانية، حتى تكاد تشعر أنها أعطيت الضوء الأخضر لتزحف على محافظات البلاد وعواصمها لتحتلها الواحدة بعد الأخرى، غير آبهة أو هيابة من الوجود العسكري الغربي، ليس لأنها مطمئنة إلى أنه لن يمسها أي أذى منه، وإنما لأنها عارفة بأن الأمر متفق عليه بين الطرفين: الغربي والأمريكي في المقدمة من جهة والطالباني من جهة أخرى.
وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن يقول: إن بلاده حققت الهدف الرئيسي من تواجدها العسكري في أفغانستان. عن أي هدف يتحدث بلينكن إذا كانت طالبان عادت إلى السلطة في رمشة عين، وكأن شيئاً لم يكن؟ ما يحملنا على قبول الرأي القائل بأنه إن كان هناك من هدف أمريكي قد تحقق، فهو «ترويض» طالبان لا لكي تكف عن ظلاميتها وتطرفها وتخلفها وعدائها لحقوق الإنسان ولحقوق المرأة خاصة، وإنما لكي تكف عن استهداف المصالح الأمريكية والغربية، وسوى ذلك فلتفعل ما تفعل.
درس أفغانستان الأول والأهم يجب أن يتعلمه كل من يعوّل على الدعم الأمريكي. هذا الدعم مستمر طالما أن الحليف المدعوم بخير، ولكن في اللحظة التي تتكاثر فيها السهام عليه، كما «تكاثرت الظباء على خراش/ فلا يدري خراش ما يصيد»، يولّي الأمريكان الأدبار، تاركين حلفاءهم بلا عون، ومحظوظ منهم من يعالج أمره بالهروب كما فعل أشرف غني، رئيس أفغانستان، وكما فعل قبله شاه إيران وآخرون كثر غيرهما.
درس آخر نستوحيه من اتهام الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لخلفه جو بايدن، باختيار استراتيجية خاطئة لسحب القوات من أفغانستان، لنقول ما قاله سيناتور روسي من أن الذنب لا يقع فقط على بايدن، فهو فقط قام «بإنجاز الشكل النهائي للفشل». وأن الأمر لا يتعلق بأخطاء رؤساء أمريكيين منفردين، بل يتعلق بعملية أعمق بكثير في التآكل الذي لا رجعة فيه للهيمنة الأمريكية، ونهاية وهم «دمقرطة» العالم و«لبرنته»، إن صحّ الاشتقاق من مفردة «الليبرالية».
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"