خريطة الإصلاح التونسية

00:22 صباحا
قراءة دقيقتين

مفتاح شعيب

يستمر الترقب في تونس لخطوات الرئيس قيس سعيّد، فبعد أكثر من ثلاثة أسابيع على تجميد البرلمان وعزل المنظومة السياسية السابقة، أصبح الرجل محور السياسة والقرار، ويحظى بدعم شعبي متزايد مع تقدم فتح ملفات الفساد الشائكة المتورط فيها سياسيون ونشطاء ورجال أعمال أصبحوا جميعاً طرائد للجان التحقيق والقضاء تمهيداً لمحاكمات من المتوقع أن تسفر عن فضائح ومفاجآت وإطاحة أسماء كبيرة.

لا يترك الرئيس سعيدّ فرصة للتواصل مع الشعب دون أن يؤكد استحالة العودة إلى الوراء لما كان عليه الحال قبل 25 يوليو الماضي، ويبدو أن هذا الموقف قد عزز من شعبيته التي بلغت أكثر من 90 في المئة، وهو معدل غير مسبوق لشخصية تونسية على الإطلاق بما يرفعه إلى مرتبة الزعيم الوطني، الأمر الذي يضع على عاتقه مسؤولية أعظم تفرض عليه الاستجابة لتطلعات معظم التونسيين في القطع مع السابق والبناء لعهد جديد يؤسس لنظام سياسي متوازن يعبر عن إرادة الشعب ويحفظ مصالح الدولة. ورغم الإجراءات والقرارات الرئاسية الأخيرة، مازال المشهد ضبابياً، وهناك بعض المخاوف من أن يطول الانتظار، في وقت يسعى فيه المناوئون إلى التشويش والتشويه وبث سموم الشك في ما يجري، لكن الرئيس سعيّد يبدو أن لديه خريطة طريق خاصة سيعمل على تطبيقها، وقد صرح بذلك إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في اتصال هاتفي، وكررها لوفد رئاسي أمريكي زاره في قرطاج، ومضمون الخريطة، غير واضح إلى الآن، ولكنه في الأغلب يتعلق بتعديل الدستور أو استفتاء الشعب على دستور جديد، وتغيير القانون الانتخابي، وصولاً إلى تقويض النظام البرلماني الذي كان فضيحة لعشر سنوات.

تنفيذ خريطة الطريق الرئاسية يتطلب وقتاً وضبطاً للأوضاع الاجتماعية والسياسية تحسباً لأي تحركات مضادة، لا سيما وأن معسكر الفاشلين بقيادة حركة «النهضة» الإخوانية اقتنع بأن الأحداث تجاوزته ولم يعد يمتلك من أوراق للمواجهة باستثناء الشعارات الجوفاء عن الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان، وهي أدبيات سئم منها الشعب التونسي، ليس بسبب عدم مشروعية تلك القيم وجدارتها بالبقاء، بل بسبب الفعل السياسي السابق الذي وظفها في غير سياقاتها الحقيقية، واتخذها مطية لتغلغل الفساد وحماية الفاسدين، مما جعل السلطة كأنها غنيمة حرب وليس خدمة جليلة لصالح الشعب.

تونس بكل مكوناتها وتفاصيلها تترقب بشغف الشخصية التي سيكلفها الرئيس سعيّد برئاسة الوزراء، وهذا الأمر لا بد منه حتى تنجلي الضبابية وتتضح الصورة. فتشكيل حكومة جديدة سيمنح الرئيس مصداقية أكبر ويضع رسمياً نقطة اللاعودة إلى ما قبل 25 يوليو، ويسمح بمباشرة خريطة الإصلاح الذي سيتطلب مرحلة انتقالية قد تطول أو تقصر، ولكن لن يسمح فيها بالفشل مرة أخرى، لأن النتيجة ستكون كارثية في أحسن الأحوال وستضع قيس سعيّد في موقف لا يليق به بالنظر لما أقدم عليه. 

وتجنباً لذلك يجب العمل على تسريع التصحيح وإنقاذ البلاد، وكل المؤشرات تؤكد أن الطريق ممهد إلى تلك الغاية مع توخي الكثير من الحذر.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"