الهروب من «الجحيم»

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

المشهد موجع؛ دع السياسة وحبالها جانباً، وانظر إلى الإنسان في المشهد، هل ترى كم الخوف والذعر في العيون، فما حال القلوب ورعشة الأبدان؟! هل ترى التوسل في النظرات والرغبة في الارتماء في أحضان أي أرض آمنة هرباً من الوطن؟ 
انظر إلى مطار كابول بعين الإنسانية، هذا المكان الذي صار في عيون الأفغان وبلحظة، بوابة الخلاص والعبور من جحيم «طالبان» إلى أي نعيم في الخارج. هل ترى الفتيات المذعورات مما هو آت، وهن يتوسلن الحماية من الجنود الأمريكيين، من خلف الأسوار؟ 
الإنسانية مريضة، غائبة في دول عدة في العالم، ومنها لبنان. تحترق كما تحترق أبدان الناس، إما بانفجار النيترات وإما بانفجار البنزين. الوطن كله يكاد ينفجر، الإنسان على الهامش، فمن يبالي؟ 
ما معنى «الوطن» إذا كان الإنسان فيه لا يعرف الأمان؟ لا الأرض تحتمل الأحلام ولا المياه تغسل الهموم؛ ألا يمكن للجبال أن تتحرك فترمي عن أكتافها كل الجبابرة والمتسلقين الطامعين؟ 
تقشعرّ الأبدان، تهتز ضمائرنا؛ وماذا عن الضمائر الغائبة والمستترة؟ 
يؤرقنا كيف تصل الحال بالإنسان إلى التعلق بجناح طائرة، وهو يعلم أنها سترميه في الفضاء، وكأنه يتعلق بذيل الأمل المفقود! الهواء، الفضاء، المجهول، أرحم من جحيم الأرض وما عليها. يا لذعر الأبرياء المساكين الذين لا يعلمون بألاعيب السياسة وخططها، فيجدون أنفسهم فجأة في مهبّ «طالبان» أو أي عاصفة قد تجرف الأمان ومعه المستقبل؟ 
لا مكان للإنسانية في حسابات بعض «الكبار» وصراعاتهم السياسية.. لا مكان للإنسان في الخطط العسكرية، لكن من يدفع الثمن سوى هذا «الإنسان» الذي لا يفهم في السياسة ولا يشغل باله سوى بالسعي خلف لقمة عيشه وعمله وتعليمه ومستقبله وبيته وأهله وأسرته..؟ 
الأوطان الآمنة نعمة، ربما لا ينتبه إلى وجودها ولا يدرك قيمتها من يعيش في ظلها، يأكل هانئاً ويعمل ويستكين وينام ويصحو بلا قلق ولا خوف؛ ربما لا ينتبه إلى هذه الراحة النفسية من يعرف الاستقرار ويسافر حراً ويعود حراً، من يركب الطائرة حباً بالسفر لا خوفاً ولا هرباً ولا هجرة. 
الأوطان التي تضع الإنسان في رأس قائمة اهتماماتها، تصير لدى الإنسان هي الأم والأب والأهل والحاضر والمستقبل، وهي جوهر الأمان والراحة النفسية والاستقرار، فهل هناك أغلى من الأمان على قلب الإنسان؟!

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"