قصيدة لم تكتب من قبل

23:11 مساء
قراءة 3 دقائق

محمد إسماعيل زاهر

في الذكرى الثانية لرحيل حبيب الصايغ، ماذا يمكن أن نكتب عن شاعر كرس نفسه للثقافة في مختلف حقولها؟ فلم تكن هناك قضية على الساحة إلا وكان صاحب «وردة الكهولة» ينخرط فيها بقلبه قبل عقله، بحس الشاعر الذي ينشد الحق والخير والجمال أولاً، وبدأب الصحفي الباحث عن الحقيقة، مع الأخذ في الاعتبار بتوازن المسؤول الذي يدرك أهمية الكلمة وحساسيتها، فضلاً عن قوة تأثيرها، لقد جمع الصايغ بين هذه المجالات جميعها، وما يفرضه كل منها من رؤية وأسلوب في التعامل ومعالجة لمختلف القضايا، ولعل ميزته الأساسية تكمن في تفوقه في هذه المهام وقدرته على تحقيق أكبر قدر من التناغم بينها.

عندما نقرأ لحبيب الصايغ ما كتبه من قصائد، سنلاحظ أن مؤلف «رسم بياني لأسراب الزرافات»، ترك إرثاً شعرياً يجمع بين مختلف أشكال القصيدة، بمعنى أننا أمام شاعر منفتح، لا يتعصب للتفعيلة على حساب العمود، ولا يرى أن الحداثة تجاوزت العمود، فالقصيدة المقفاة لا تزال تكتنز بإمكانيات لا نهاية لها. نحن أمام شاعر قال يوماً عن قصيدة النثر في رسالة الأمين العام لاتحاد الكتاب العرب في يوم الشعر العالمي، 21 مارس 2019، «أوصيكم بقصيدة النثر»، وكأنها بمثابة رسالته أو وصيته الأخيرة.

في حضرة إرث الصايغ، نحن أمام شاعر كان دوماً يبحث عن المعنى الذي يمكنه من التعبير عن تأملاته في مختلف شؤون الحياة، وكل قارئ للصايغ سيدرك ببساطة قيمة ومكانة التأمل في قصائده، كان شغوفاً بالمعنى الذي يحمل رسالة تصل إلى القارئ فتمتعه وتحثه على السؤال وتثير دهشته وتخترق حواسه، وتلك ببساطة أهم خصائص الشعر، من دون تنظير أو تعقيد أو فذلكة.

في حضرة إرث الصايغ، سنعثر على مختلف أشكال الشعر لعدة أسباب أخرى بخلاف الانفتاح والرغبة في التجريب، فمن تعامل معه أدرك ببساطة أنه أمام شخصية تميزت بالتحدي والطموح، تسعى إلى التفوق في كل ما تقوم به، تلك السمة الواضحة في إخلاصه للعمل الصحفي، ودأبه في متابعة الشأن اليومي، وتلك مفارقة يندر أن نعثر عليها، فمعظم الشعراء الذين يعملون في الصحافة يتخصصون في الثقافة، أما عندما نقرأ للصايغ في السياسة أو قضايا التعليم أو الصحة أو المواصلات..فسنجد أمامنا تحليلات بسيطة وثاقبة في الوقت نفسه، وآراء مدعومة بخبرة حياتية، وهماً واضحاً بقضايا ومشكلات الناس، لنشعر بغرابة ذلك الذي يكتب محاوراً الموت برمزية عالية في ديوانه «أسمي الردي ولدي»، ثم لا يلبث أن يكتب في ابن الديرة عن العام الدراسي الجديد مثلاً، ولكنه الشاعر عندما يقترب من الناس.

في الرسالة السابق الإشارة إليها دعا الصايغ الشعراء العرب إلى «كتابة قصيدة لم تكتب بعد»، وهي دعوة تختزن بداخلها الكثير من الدلالات، منها إدراك مؤلف «كسر في الوزن»، أن الشعر في أزمة، لأسباب يطول شرحها، ومن هنا لا خروج من تلك الأزمة إلا بالجديد والمختلف والمغاير، واعتبر الصايغ في الرسالة نفسها أن تلك القصيدة هي التحدي الأول للشعراء في المرحلة المقبلة، ولكن مر أكثر من عامين ولا تزال الحالة كما هي، لا قصيدة جديدة على مستوى الشكل أو المفردات، بل إن واقع الشعر لا يبشر بخير.

ماذا يمكن أن نكتب عن حبيب، الشاعر والصحفي والإداري والمثقف، بعد عامين من رحيله؟ لعل أفضل ما يمكننا فعله مواصلة دعوته إلى قصيدة جديدة تعيد إلى ديوان العرب رونقه، بشرط أن نتحلى بشغف الصايغ ودأبه في البحث عن شعر جديد في المبنى والمعنى.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"