كائنات جمال مطر الغابيّة

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

تقرأ رواية «ربيع الغابة» لجمال مطر، وأمامك أكثر من جمال رمزي وواقعي، فسوف تضع في اعتبارك وأنت تقرأ جمال مطر المسرحي، والمثقف إخراجياً والمدير الذكي للخشبة، والأكثر ذكاء حين يخرج على أو من الخشبة ويختار العلبة الإيطالية والعرض في الهواء الطلق. وتضع في اعتبارك أيضاً جمال مطر الهاضم بمعدة من حديد لكل غرورات ونرجسيات أبي الطيّب المتنبي، وتضع في اعتبارك جمال مطر الشاعر، والكاتب، والإنسان العفوي والرّوحي والجميل.
عرفت جمال مطر مسرحياً في عرض «جميلة» في تسعينات القرن العشرين، وكان العرض على الرمل بالقرب من البحر في منطقة الخان في الشارقة، وعرفته إعلامياً هادئاً حميماً مع لغته ومع ضيفه ومع ميكروفونه وهوائه، واليوم، أعرفه روائياً، رمزياً، إسقاطياً، وربما «تجريبياً» في روايته «ربيع الغابة»، (دار العين للنشر - القاهرة - 2021)، وهي التجربة الروائية الثانية له بعد روايته «كلب» الصادرة في 2018.
تقوم «ربيع الغابة» على حواريات عديدة متقاطعة أحياناً، وأحياناً متوازية على ألسنة حيوانات تقليدية ومعروفة في أدبنا العربي، وفي ثقافتنا المجازية، أو الرمزية الأدبية، وبخاصة عند الجاحظ، وفي «كليلة ودمنة»، لا بل جرى توظيف الحيوان في الأدب في تراثيات حكائية عديدة في العالم، ولكن ربما هي المرّة الأولى التي يبني فيها كاتب رواية ملمومة محدودة على خطاب الحيوان ولغته، بما فيها من إحالات، وكنايات، بل وتوريات عائدة إلى كائنات ترمز للقوة والسطوة والبطش، وأخرى ترمز للضعف والهشاشة والهامش، وأخرى ترمز للدهاء والمناورة والمداورة.
كتب جمال مطر هذه الرواية، كما أخبرني، في خمسة شهور، ولكنه فَكّر بها خمسة عشر عاماً، وهو أهدى الرواية إلى توأمه المسرحي والإنساني ناجي الحاي الذي كان وراء إلهام جمال مطر بهذا النصّ الذي يقرأ في أكثر من مستوى، شأنه في ذلك شأن السرديات التي تستعير خطاب الكائنات الحية، بل أحياناً الكائنات الميتة أو المنقرضة لتشكل هوية كتابية: روائية أو شعرية أو مسرحية جديدة.
جمال مطر الحواري، المسرحي، ليس غائباً في هذا النصّ الذي ينوي تحويله إلى فيلم كرتون، ولكن المهم أيضاً أن هذه الرواية هي حتى الآن مشروع مسرحية جديدة تضاف إلى تراث جمال مطر في «أبي الفنون»، وأفضل من يحوّل رواية إلى عرض مسرحي هو المخرج الذي يعرف من أين يؤكل «الكتفان»: كتف الرواية، وكتف المسرحية، وجمال مطر يعرف كيف يمسك بالكتفين.
هل يتوازى ما هو حَيَواني مع ما هو آدمي بشري في هذه الرواية؟ ربما، غير أن الكتابة عادة هي نوع من اللعب. إنها نوع من الشطرنج أحياناً. رمية نرد، أو رمية ورق، خروج على المألوف، أو أن الكتابة هي تدجين لما لا يُدَجّن، وقد تكون تجريباً للقوّة الداخلية للكائن الحيّ سواء أكان في ربيع غابة، أو كان في ربيع حديقة، والمهم ألا يزحف خريف الإنسان إلى روحه وإلى كينونته العذبة الغنائية، وقد يكون هذا الهدف النيل هو تلك الأغنية الصغيرة لجمال مطر في هذه الرواية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"