معضلة الجنوب السوري

00:24 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

على مدار سنوات الصراع الذي انفجر في عام 2011، ظل الجنوب السوري يشكل معضلة حقيقية للدولة السورية، ليس فقط بسبب رمزية محافظة درعا التي مثلت انطلاقة ما يسمى ب «الثورة السورية» وما حملته من طموحات للتغيير، وإنما أيضاً لتشابك المصالح المحلية بالإقليمية والدولية، التي ظلت ولا تزال تمثل تحدياً جدياً يؤرق الحكومة المركزية في دمشق.

لكن منذ بداية الصراع حتى اليوم، جرت مياه كثيرة في نهر الأحداث وسالت معها دماء كثيرة غطت معظم الأراضي السورية، وأنتجت في النهاية ظروفاً مختلفة وتغييراً في موازين القوى الداخلية، مكنت الدولة من استعادة السيطرة على نحو ثلاثة أرباع أراضيها، وتخللتها تسويات ومصالحات محلية نجحت في بعض المناطق وبقيت هشة في مناطق أخرى كما هو الحال في محافظة درعا الحدودية التي تكتسب أهمية استراتيجية كبيرة باعتبارها بوابة أساسية للتواصل مع الجوار الإقليمي. في هذه المحافظة، لا يبدو أن التسوية التي تمت في عام 2018 برعاية وضمانات الجانب الروسي، التي أبقت على مسلحي «المعارضة المعتدلة» ممن قبلوا بالاتفاق مع أسلحتهم الخفيفة في أماكنهم بينما تم ترحيل المسلحين من التنظيمات المتطرفة والرافضين للاتفاق إلى إدلب في شمال غربي البلاد قد نجحت. 

وحقيقة الأمر أن درعا، التي ظلت تعتبر نفسها خزاناً بشرياً لرفد المعارضة، لم تهدأ منذ التوقيع على اتفاقات المصالحة، وأبقت على حالة التوتر والاشتباك المتواصل مع القوات الحكومية، بينما تصاعدت الهجمات على حواجز الجيش السوري وعمليات الاغتيال للضباط والمسؤولين الحكوميين ما دفع دمشق إلى التوجه لحسم الوضع عسكرياً في تلك المحافظة. ثمة أسباب أخرى، بالطبع، تدفع دمشق للذهاب إلى هذا الخيار، منها الأوضاع الاقتصادية الضاغطة، التي تحفز الحكومة المركزية لكسر جدار الحصار والعقوبات الغربية، خصوصاً بعدما تم الاتفاق على إعادة فتح الحدود مع الأردن، وانتعشت الآمال بالعودة إلى التواصل الاقتصادي مع الجوار الإقليمي. 

وتدرك دمشق ومعها الحليف الروسي أن الخيار العسكري له كلفة عالية وسيؤدي إلى سفك المزيد من دماء السوريين، وهو ما دفع موسكو إلى العودة لخيار المفاوضات ومحاولة إعادة إنتاج تسوية جديدة استناداً إلى المتغيرات الميدانية التي نشأت وتبدل موازين القوى لصالح الدولة السورية. 

وبالفعل قدم الجانب الروسي، بعد سلسلة من المواجهات بين المسلحين والجيش السوري، ومحاصرة أهم معاقل المعارضة في «درعا البلد»، مقترحات جديدة، تتضمن، هذه المرة، سحب كل أنواع الأسلحة سواء كانت ثقيلة أو خفيفة، وضمان ترحيل ما تبقى من عناصر التنظيمات المتطرفة (داعش وجبهة النصرة وغيرهما) إلى إدلب، وإعادة السلطة التنفيذية الحكومية بشرطتها وإداراتها ومؤسساتها العامة إلى كل أرجاء المحافظة، وتسوية أوضاع القابلين بالاتفاق والعناصر المنشقة والمتخلفة عن التجنيد، وتسيير دوريات روسية - سورية مشتركة لجمع الأسلحة، مقابل تعهد روسي بضمان الأمن ومنع الانتهاكات، وذلك لتجنب الخيار العسكري في ظل موازين القوى الجديدة، فهل ينجح «الوسيط» الروسي في إنهاء معضلة الجنوب السوري؟ الأيام القادمة وحدها هي من يقدم الجواب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"